الدين معرفة و عمل ، معرفة بأصول الدين ، و عمل بفروع الدين .
أصول الدين خمسة :
الأول : التوحيد
الثاني : العدل
الثالث : النبوة
الرابع : الإمامة
الخامس : المعاد يوم القيامة
أصول الدين:
إن الأسس التحتية لفكر الإنسان و سلوكه العقائدي و الفكري تسمى بأصول الدين ، و يراد بها الأمور التي ترتبط بعقيدة الإنسان و سلوكه الفكري و التي تبتني عليها فروع الدين التي ترتبط بأفعال الإنسان أي سلوكه العملي .
فروع الدين :
تُسمى الأحكام الدينية التي شُرِّعت لتوجيه سلوك الإنسان العملي و العبادي و تنظيم حياته الفردية و الاجتماعية و إرشاده إلى ما فيه خيره و صلاحه بفروع الدين .( الصلاة, الصوم, الحج, ... الخ )
الإسلام: هو الدين الذي جاء به النبي محمد المصطفى ( صلَّى الله عليه و آله وسلم ) و الشريعة التي ختم الله تعالى بها الرسالات السماوية ، و الإسلام هو الدين الخاتم الذي لا يقبل الله من أحد التديُّن بغيره.
الدرس الأول
معرفة خالق هذا الكون ( معرفة الله )
لماذا نبحث و نفكر لمعرفة خالق الكون؟
1 ـ إنَّ حبّ الاستطلاع و التعرف على عالم الوجود موجود في اعماقنا جميعاً.
إنَّنا نريد أنْ نعرف حقّاً: هل هذه السّماء الرفيعة بنجومها الجميلة، وهذه الارض المنبسطة بمناظرها الاخّاذة، و هذه الكائنات المتنوعة، و الطيور الجميلة، والاسماك الملونة في البحار، والزهور، و البراعم و النّباتات، و أنواع الاشجار السّامقة، هل هي كلّها قد وجدت في هذا الكون لوحدها، أم أنَّ هذه الصور العجيبة قد خلقت بقدرة خالق ماهر مدبّرة؟
ثمّ إنَّنا إذا تجاوزنا ذلك كلّه، فإنَّ الاسئلة الاولى التي تراود خواطرنا في الحياة هي:
من اين جئنا؟ أين نحن الآن؟ والى اين سائرون؟
ما أعظم سعادتنا لو إننا عرفنا الاجابة على هذه الاسئلة!
أي أنْ نعرف كيف بدأت حياتنا؟ والى أين سيكون مصيرنا في النهاية؟ وما الذي ينبغي نفعله الآن؟
إنَّ روح حبّ الاستطلاع فينا تفرض علينا أنْ لا نجلس دون ان نبحث حتى نعثر على أجوبة هذه الاسئلة.
اذن أوّل مايحملنا على البحث عن الله و معرفة خالق عالم الوجود هو روح حبّ الاستطلاع المتعطشة فينا.
2 ـ عرفان الجميل: لنفرض أنّك قد حضرت الى وليمة فخمة، هيأوا لك فيها كلّ أسباب الضيافة الكريمة و الترحيب بك وراحتك،. لذلك فانت عندما تجد كل هذه الحفاوة و التكريم من صاحب البيت، يكون جلّ همك أن تتعرف عليه لكي تقدم له مايستحقه من آيات الشكر اعترافاً بجميله.
كذلك هي حالنا عندما ننظر الى مائدة الخلق الواسعة حيث نجد عليها مختلف أصناف النّعم و قد وضعت تحت تصرفنا: عيون ناظرة، و آذان سامعة، و عقول ذكية، و قوى جسمانية و نفسانية متنوعة، و مختلف سبل العيش، و رزق طيب و طاهر، كلّها قد عرضت على هذه المائدة الفسيحة الشّاسعة، فيتجه فكرنا دون اختيار الى ضرورة معرفة واهب كلّ هذه النّعم لكي نقدم له فروض الشكر و إنْ لم يكن بحاجة الى شيء من شكرنا، و ما لم نفعل ذلك نصاب بالقلق و بإنَّنا نفتقر الى شيء ما. و هذا محفز آخر يدفعنا للبحث عن الله و معرفته.
3 ـ افرض إنَّك في سفرك قد بلغت مفرق طرق أربعة حيث تسمع الناس يتنادون أنْ لا تمكثوا في هذا المكان، ففيه اخطار كبيرة. إلاّ أنَّ كل فريق يدعوك الى سلوك أحد تلك الطّرق، فهذا يقول: أفضل الطريق هذا الذي يتجه الى الشرق. و يقول فريق آخر: بل الطريق المؤدي الى الغرب أكثر اطمئناناً. فريق ثالث يدعوك الى طريق وسط بين الطّريقين، قائلاً: أنَّه الطريق الوحيد الذي ينجيك من المخاطر و يوصلك الى حيث الأمن و الأمان و كلّ أنواع السعادة.
فهل يجوز لنا أن نسلك أحد تلك السبل دون تمعّن أو دراسة؟ أم هل يرتضي لنا العقل أنْ نمكث هناك دون أن نختار واحداً من تلك الطّرق؟ طبعاً لا.
إنَّ العقل ينصحنا بأن نبادر فوراً الى دراسة الوضع و تمحيص أقوال كل فريق بدقة، فاذا وجدنا في أقوال أحد الفرق دلائلاً مقنعة من الصدق و الصحة أخذنا بها، و سلكنا ذلك الطريق بكل اطمئنان وثقة.
هكذا نحن في هذه الدّنيا، حيث نجد مختلف المذاهب والاتجاهات تدعونا إليها. ولكن لما كانت سعادتنا و تعاستنا، تقدّمنا و تأخرنا، منوطة بدراسة هذه الاتجاهات و اختيار أفضلها، فإنَّنا لانجد بداً من أنْ نفكر في الامر، لاختيار الطريق الذى يؤدي بنا الى التقدم و التكامل، و تجنّب الطريق الذي يوصلنا الى منزلق التعاسة و الفساد و الشقاء.
و هذا دافع آخر يدفعنا لإمعان الفكر في خالق عالم الوجود.
يقول القرآن الكريم: (فَبَشِّرْ عِبادِ الّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ). سورة الزّمر: 17، 18.
الدرس الثاني
اولا: التوحيد
يعتبر التوحيد أصل معرفة الله و أساسها و أول خطوة في طريق عبادته ، و الهدف الأول في دعوة الأنبياء.
أولا: نداء الفطرة
إنَّ أي شخص، مهما كان عنصره و طبقته، إذا ترك و شأنه دون تعليم أو ارشاد، و دون أنْ يسمع آراء المؤمنين و الملحدين، فإنْ يتّجه بذاته نحوه قوة قادرة قاهرة ترتفع فوق المادة و تحكم الكون بأسره.
إنَّ هذا الانسان يحس أن في أعماق قلبه وزوايا نفسه نداءً لطيفاً مفعماً بالمحبّة و الرّحمة ، يدعوه الى المبدأ العظيم و القادر العليم الذي ندعوه: الله.
ذلك هو نداء الفطرة الطاهرة!
وقد ينجرف هذا الشخص مع التيار المادي و حركة الحياة اليومية الزّاخرة بالبهرجة و الزّينة، فينشغل بها موقتاً عن سماع ذلك النداء. و لكنه عندما يوجه الشّدائد و المشكلات و المحن، و عندما تهاجمه الحوادث الطبيعية المرعبة، كالسيول و الزّلازل و الفيضانات و لحظات القلق في طائرة تتلاعب بها العواصف. نعم، عندما تقصر يده عن الوصول الى عون مادي، و لايجد ملجأ يلوذ به، يقوى هذا النداء في داخله، و يحس أن في كيانه قوّة تجتذبه نحوها، قوّة هي فوق كلّ القوى، و قدرة غامضة يسهل عليها حلّ جميع المشكلات بيسر.
إنَّ نداء الفطرة موجود دائماً في وجدان الانسان، و لكنه يقوى في هذه اللحظات.
و لعلك قد صادفت في حياتك بعضى الازمات الشّديدة و الطّرق المسدودة بحيث أنك يئست من العثور على الحل و العلاج. لاشك أنَّك في مثل تلك الحالات قد خطرت لك حقيقة وجود قوة قادرة في عالم الوجود تستطيع أنْ تحل مشكلتك بكل سهولة.
في تلك اللحظات تشعر انك قد احتواك أمل يمازجه في داخلك حبّ ذلك المبدأ العظيم، و أنَّ ذلك الأمل قد أزاح عن قلبك كلّ سحب اليأس القاتمة.
نعم، هذا هو أقصر الطرق التي تبدأ من داخل المرء للوصول الى الله، بارىء عالم الوجود.
يقول الله في كتابه الكريم:
(فَإذا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ اِلى البَرِّ إذا هُمْ يُشْرِكُونَ). سورة العنكبوت، الاية 65.
هنا قد يسأل سائل: إنَّ هذا الاحساس الدّاخلي الذي نصفه بأنه فطري، ألايحتمل أنْ يكون من إفرازات المحيط الاجتماعي وتلقينات الأبوين والمعلمين في البيت والمدرسة حتى أضحى عادة مألوفة؟
الجواب:
جواب هذا السّؤال يتبين بوضوح بالانتباه الى مقدمة قصيرة. إنَّ العادات و الرّسوم اُمور طارئة متغيرة و غير ثابتة. أي إنَّنا لايمكن أنْ نعثر على عادة من العادات ظلت سارية بين البشر على إمتداد التاريخ. إنَّ العادة السائدة اليوم قد تتغير غداً، كما أن عادات قوم و رسومهم قد لاتكون كذلك بين أقوام آخرين.
و بناء على ذلك، إذا رأينا أمراً موجوداً عند كل الاقوام و الملل و في كل عصر وزمان، بدون استثناء، أدركنا أنّه لابدّ أنْ تكون له جذور فطرية و أنَّه داخل ضمن تكوينالانسان و نسيجه.
يؤكد علماء علم الاجتماع و المؤرخون المشهورون أنَّ البشرية لم يمرّ بها زمان ليس لها ضرب من الدين أو الايمان بشيء، فقد كان الدّين موجوداً في كل عصر وزمان. وهذا دليل بيّن على أنَّ عبادة الله تنبع من فطرة الانسان و ضميره، ولا دخل للتلقين و الرسوم و العادات فيها، إذ لو كان لها أي أثر في إيجاد الدين لما كان عامّاً ولا خالداً.
هنالك قرائن تدل على أنَّ انسان ماقبل التاريخ كان يدين بنوع من الدّين (عصور ماقبل التاريخ تطلق على الازمنة التي مرّت على الانسان قبل اختراع الكتابة، يوم لم يستطع أنْ يترك وراءه كتابات تدلّ عليه).
بديهي أنَّ الانسان القديم البدائي لم يكن قادراً على تصور الله وجوداً فوق الطبيعة، لذلك كان يبحث عنه بين الكائنات الطبيعية، وراح يصطنع لنفسه آلهة أصناماً من بين الكائنات الطبيعية، ولكن الانسان بتقدمه الفكري وبمساعدة الانبياء استطاع بالتدريج أنْ يعثر على الحق، و أنْ يشيح بوجهه عن الاصنام و هي أشياء مادية، ليتوجه الى ماوراء هذا العالم المادي و يتعرف على قدرة الله العظيمة.
ثانيا: الآيات الواضحة
عندما ننظر إلى الكون وما يحويه من مخلوقات ، وندقق النظر ، فإننا نصل إلى أمرين :
الأمر الأول : أن لهذا الكون خالق ومدبر .
الأمر الثاني : أن هذا الخالق قادر ،وعالم ، وحكيم .
الآيات الواضحة : " الطريق السهل الواضح "
إن هذا الطريق السهل لإثبات وجود الله تعالى ، يتمثَّل في التأمل في آيات الله و شواهده و دلائله التي يَحْفل بها هذا العالم العريض ، و كما يعبر عنه القرآن الكريم بـ " التفكر في الآيات الإلهية" و كأن كل واحدة من الظواهر الكونية في الأرض و السماء و في وجود الإنسان ، دليل و آية مقصود منشود ، و مطلوب معروف ، و تهدي مؤشر القلب باتجاه مركز الوجود الحاضر في كل زمان و مكان.
كل نظام هادف ، دليل على منظِّمٍ هادفٍ و نحن نشاهد هذه الأنظمة الهادفة في أرجاء الكون كله ، فإنها جميعا تؤلفُ نظاما شاملا ، وتدل على خالقٍ حكيم أوجدها ، و هو دائما و أبدا يواصل إدارتها و تدبيرها .
و من البديهي أنه كلما ازداد علم البشر و اتسع ، و اكتشف الإنسان أكثر القوانين و العلاقات بين الظواهر الطبيعية ، تبينت أسرار وحكم الخالق أكثر ، و لكنّ التدبر و التفكير حول هذه الظواهر البسيطة و الدلائل الواضحة النيّرة يكفي للقلوب الطاهرة غير الملوّثَة.
الدرس الثالث
ثانيا: العدل الألهي
للعدالة معان مختلفة:
أ ـ معنى العدالة العام والشامل وهو: وضع الاُمور في مواضعها. أي التوازن والتعادل. وهذا المعنى هو المهيمن على عالم الخليقة برمته، على المنظومات الشمسية، على الذّرة، على بناء كيان الانسان وجميع الحيوان والنبات. وهذا هو المعنى الذي ورد في الحديث النّبوي الشريف:
«بِالعدلِ قامَتِ السَّمواتُ وَالأرضُ».
فمثلاً، لو اختل تعادل القوتين الجاذبة والدافعة في الكرة الأرضية، وزدات أحدها على الاخرى، لانجذبت الارض نحو الشمس واحترقت وتلاشت، أو لخرجت عن مدارها وتلاشت في الفضاء الفسيح.
والعدالة هي أنَّك إنْ سقيت نبتة الورد والاشجار المثمرة فقد سكبت الماء في موضعه، وهذا هو العدل بعينه، وإنْ أنت سقيت الاشواك والطفيليات، فقد أرقت الماء، في غير موضعه، وهذا الظلم بعينه.
ب ـ وثمّة معنى آخر للعدل وهو «مراعاة حقوق الناس» ويقابله « الظلم» وهو الاستئثار بحقوق الآخرين، أو انتزاع حق شخص واعطائه لآخر لا حق له فيه، أي المحاباة، وهي اعطاء بعض حقّهم، ومنعه عن آخرين.
بديهي أنَّ المعنى الثّاني «خاص» والمعنى الاول «عام»، وأنَّ كلا معنيي «العدل» يصدقان بحق الله، غير أنَّ المعنى الثاني هوالمقصود في بحثنا هذا غالباً.
معنى «عدل» الله هو أنه لايسلب أحداً حقّه، ولايأخذه من بعض ليعطيه لبعض آخر، فلا يحابي بين الاشخاص، فهو عادل بكل معاني الكلمة.
إنَّ الله منزّه عن «الظلم» سواء تمثل بأخذ حق أحد، أم إعطاء حق أحد لآخر، أم بالاجحاف والمحاباة.
إنَّه لن يعاقب من يعمل الصالحات، ولايثيب المسيء، ولايأخذ أحداً بذنب أحد.
الاسلام يدعو للعدل ويرفض الظلم:
القرآن الكريم، بقدر توكيده العدالة الالهية، يؤكد أيضاً سيادة العدل في المجتمع وفي كلّ فرد فيه. كثيراً ما يشير القرآن الى الظلم باعتباره سبب فناء المجتمعات البشرية، ويرى عاقبة الظالمين من أفظع العواقب.
في معرض بيان مصير الاقوام السالفة يطلب القرآن من الناس أنَّ يعتبروا بتلك الاقوام وكيف نزل بها العذاب الالهي بسبب ظلمها وفسادها وقضى عليها، فيدعوهم الى أنْ يتجنبوا مصير تلك الاقوام.
ويصرح القرآن بأحد مبادئه الرئيسة فيقول:
(إنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدْلِ وَالإحسَانِ وَإيْتَاءِ ذِيالقُرْبى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْي...). سورة النحل، الآية 90.
من اللافت للنظر أنَّ الاسلام كما يرى الظلم عملاً قبيحاً، فكذلك تقبّل الظلم والخضوع له عمل مرفوض أيضاً، كما جاء في الآية 279 من سورة البقرة: (لاتَظْلِمُونَ وَلاتُظْلَمُونَ).
إن الاستسلام للظالمين يعني القبول بالظلم ونشره واعانة الظالم عليه.
الدرس الرابع
ثالثا: النبوة
تعريف النبوة:
و هي الإنباء و الإخبار من حيث اللغة ، إلا أنها قيّدت شرعا بالإخبار و الإنباء عن الله تعالى ، على أن يكون المخبر أو المنبئ إنسانا ، و يسمى الإنسان المخبر أو المبلغ عن الله تعالى بـ " النبي " ، و النبي هو الإنسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة بشر .
و النبوة سفارة إلهية و خلافة ربانية يجعلها الله تعالى لمن ينتخبه و يختاره من عباده الصالحين و أوليائه الكاملين في إنسانيتهم ، فيرسلهم إلى سائر الناس لغاية إرشادهم إلى ما فيه منافعهم في الدنيا و الآخرة .
أدلة ضرورة إرسال الأنبياء من قبل الله عزّوجلّ
1 ـ الحاجة الى التعلم:
إنَّ هذا الكون باتساعه المخوف لم يخلق عبثاً حتماً. لقد علمنا من دروس «معرفة الله» أنَّ خلق هذا العالم لا ينفع الله بشيء، لانَّه كامل، وغير محتاج، ولانهاية له، فليس به نقص لكي يسعى لسدّه عن طريق خلق العالم والبشر.
نستنتج من هذا أنَّ هدفه هو أن يفيض على البشر من جوده ورحمته، ليوصل الكائنات الاخرى الى التكامل، كالشمس التي تشرق بنورها على أهل الارض بغير أنْ تكون محتاجة اليهم، بل نحن الذين نحتاج الى ضوئها، وإلاّ فما ذا نستطيع فعله لصالح الشمس؟
ثمّ، من جهة اُخرى، هل تكفي معلوماتنا وحدها للسير بنا في طريق التكامل وايصالنا الى مرحلة الانسان الكامل من جميع الوجوه؟
تُرى كم نعرف من أسرار العالم؟ ماهي حقيقة الحياة؟ متى وجد هذا العالم؟ إنَّ أحداً لايعرف الجواب القاطع عن هذه الاسئلة.
حتى متى سنبقى؟ لا أحد يعرف الجواب كذلك.
و من حيث الحياة الاجتماعية والاقتصادية كل عالم من علماء البشر له رأى أو نظرية.
فبعض يوصون بالرأسمالية، وفريق آخر يرتأون الاشتراكية والشيوعية، وآخرون يرفضون هذا وذلك. وفي مسائل الحياة الاخرى تجد مثل هذا الاختلاف قائماً وبكثرة، ويصاب الانسان بالحيرة، ترى أيّها يختار؟
هنا لابدّ لنا من الاعتراف بأنَّنا ـ ولكي نصل الى هدف الخلق الأصيل و هو «نمو الانسان وتكامله وتربيته على جميع المستويات» ـ نحتاج الى مجموعة من التّعليمات الصّحيحة والسّليمة والخالية من كل خطأ، والمستندة الى حقائق الحياة الواقعية، تمكّن الانسان من السير في الطريق الطويل الموصل الى هدف الخلق الاصيل.
وهذا لايكون إلاّ عن طريق العلم الإلهي، أي الوحي السماوي الذي ينزل على الانبياء. ولهذا فإنَّ الله الذي خلقنا لكي نسير في هذا الطريق لابدّ له أنْ يتيح لنا مثل هذا العلم وهذه المعرفة.
2 ـ الحاجة الى القائد اجتماعياً واخلاقياً:
يإنَّ فينا ـ كما نعلم ـ إضافة الى العقل، غرائز وميو قوية، مثل غرائز حبّ الذّات، والغضب، والجنس، وغرائز اُخرى كثيرة.
إنَّنا إذا لم نكبح جماح غرائزنا وتركناها تسيطر علينا، فإنَّ عقلنا سيكون مقيداً محجوراً عليه ويكون الانسان كجبابرة التّاريخ وطغاته وأشد خطراً من ذئاب الصحاري المفترسة.
لذا فنحن بحاجة الى التربية الاخلاقية على يد مرّب، والى «الأسوة» الذي نحاكيه في الاقوال والافعال ونحذو حذوه.
إنَّ أسوة كهذا يجب أن يكون ذا تربية كاملة من جميع الجهات بحيث يستطيع أنْ يأخذ بيدنا في هذا الطريق الكثير المنعطفات وينقذنا من طغيان غرائزنا، ويزرع في نفوسنا اُصول الفضائل والاخلاق بأعماله وأقواله، ويربّينا على الشجاعة وحبّ البشر، والمروءة، والتضيحة، والوفاء، والصدق، والامانة، وطهارة الرّوح.
فمن هو الحقيق بأنْ يكون قدوة واُسوة غير نبيمعصوم؟
ولهذا فإنَّ الله القادر الرحيم لايمكن أنْ يحرمنا من أمثال هؤلاء الانبياء المربين الهداة.
3- الحاجة الى الانبياء كمشرعين:
حاجتنا الى القوانين والتعليمات الواضحة التي تحل لنا ثلاث مشكلات كبيرة:
1 ـ القانون يحدد واجبات كل فرد نحو المجتمع، وواجبات المجتمع نحو الافراد، بحيث تنفتح المواهب ضمن مساع متعاونة.
2 ـ القانون يمهد طريق الإشراف على حسن اداء الافراد واجباتهم.
3 ـ القانون يحول دون قيام الافراد بالاعتداء على حقوق الآخرين، ويمنع انتشار الفوضى والتّضارب بين الافراد والجماعات، ويقرر العقوبات المناسبة على المعتدين.
إنَّ المشرّع الذى يريد أن يضع خير القوانين للبشر يجب أنْ تتوفر فيه الشروط التالية:
1 ـ أنْ يكون عارفاً معرفة تامّة بالبشر، بغرائزهم، وعواطفهم، وحاجاتهم، ومشكلاتهم وكل مايتعلق بهم.
2 ـ أنْ يأخذ بنظر الاعتبار جميع مؤهلات الناس واستعداداتهم ومواهبهم لكي يستخدم القوانين في سبيل تفتحها وازدهارها.
3 ـ أنْ يكون قادراً على التنبؤ بما يمكن أنْ يقع في المجتمع من حوادث وطرق مواجهتها على أفضل وجه.
4 ـ أنْ لاتكون له أية مصالح شخصية ولا لأيّ من أقربائه والمختصين به.
5 ـ أنْ يكون عارفاً بكلّ ما حققه الانسان في تقدمه، وما أصابه من احباط واخفاق.
6 ـ أنْ يكون في أقصى درجة من العصمة ضد الخطأ والنسيان.
7 ـ وأخيراً، على هذا المُشرِّع أن يكون شجاعاً وجريئاً، فلا ترهبه أية قوّة ولا شخصية في المجتمع، ولايخشى أحداً أبداً، على أنْ يكون ـ في الوقت نفسه ـ على قدر كبير من المحبّة والعطف.
من الذي تتوفر فيه هذه الشّروط؟
هل يكون الانسان أفضل مشرّع؟
أهناك من عرف الانسان حتى الآن معرفة تامَّة؟ كتب أحد كبار العلماء المعاصرين مؤخراً كتاباً عنوانه «الانسان، هذا الكائن المجهول».
هل عرفت نفسية الانسان وغرائزه وميوله و عواطفه معرفة تامَّة حتى الآن؟
هل يمكن العثور بين الناس على شخص لاتكون له مصالح خاصّة في المجتمع؟
أهناك بين الناس العاديين انسان يكون مصوناً من كل خطأ ونسيان، وله. معرفة تامّة بجميع مشكلات المجتمع البشري وأفرادة؟
إذن، لن تجد بين الناس العاديين من تتوفر فيه الشروط المطلوبة، لذلك ليس سوى الله، ومن اختاره لتلقّي وحيه، يمكنه أنْ يكون أفضل مشرّع للبشرية.
وهكذا نصل الى هذه النّتيجة: إنَّ الله الذي خلق البشر ليسيروا في طريق التكامل، لابدّ أنْ يبعث اُناساً يأمرهم بهداية البشر نحو الله و يبيّن لهم شريعة السّماء الالهية الجامعة والشاملة.
ولاريب أنَّ الناس إذا علموا أنَّ الشريعة التي بين أيديهم نازلة من الله، فانهم يطبقونها بكل ثقة واطمئنان، أي أنَّ علمهم بذلك يضمن تطبيق القوانين بصورة جيدة.
لماذا الانبياء (عليهم السلام)معصومون؟
لابدّ لكلّ نبيّ أنْ يكون موضع ثقة عموم الناس قبل كل شيء بحيث لايجدون في كلامه أي احتمال للكذب والخطأ والتناقض. إذ أنَّ مركزه سوف يتزلزل في غير هذه الحالة.
إذا لم يكن الانبياء معصومين فإنَّ المتذرعين سوف يحتجون لعدم ايمانهم بامكانية خطأ الانبياء ، كما أنَّ الباحثين عن الحقيقة يتزعزع إيمانهم بصحّة محتوى دعوتهم، فيرفض الطرفان رسالاتهم، أو أنّّهم في الأقل، لايكون تقبلهم لها مصحوباً بحرارة الثقة والايمان.
وبتعبير آخر: كيف يمكن أنْ يأمر الله الناس أنْ يطيعوا شخصاً غير ملتزم ومعرض للخطأ ولارتكاب المعاصي؟ لانهم إنْ أطاعوه فقد تابعوا الخطأ والأثم، وان لم يطيعوه فقد نسفوا مقامه كقائد، خاصة أنَّ مركز قيادة الانبياء يختلف تماماً عن القيادات الاُخرى، لأنَّ الناس يستقون منهم جميع عقائدهم وبرامج سلوكهم.
قال تعالى:
(اطِيْعُوا اللهَ وَاطِيْعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُم). سورة النساء، الآية 59.
أنَّ الامر بالاطاعة المطلقة دليل على أنَّ النّبي معصوم واولي الامر معصومون أيضاً. وأولوا الامر هم الائمّة المعصومون(عليهم السلام) مثل عصمة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وإلاّ لما أمر الله باطاعتهم طاعة مطلقة أبداً.
كيف نتعرف على الانبياء:
لاشك أنَّ تصديق إدعاءات كل مدع يعتبر خلاف العقل والمنطق.
إنَّ مدعي النّبوة وحمل رسالة الله قد يكون صادقاً، إلاّ أنَّ من المحتمل أنْ يقوم أحد الانتهازيين النّصابين بادعاء النّبوة، لذلك كان لابدّ من وجود معيار دقيق نزن به دعوات الانبياء وصحة إرسالهم من قبل الله.
هناك طرق عديدة للوصول الى هذه الغاية، أهمها:
1 ـ دراسة محتوى رسالة النّبي ودعوتة، وتجميع القرائن والدّلائل.
2 ـ معجزاته الخارقة للعادة.
الدرس الخامس
ثالثا: النبوة
تعريف المعجزة: المعجزة بتفسير بسيط، هي عمل خارقللعادة ممّا هو فوق قدرات الافراد العاديين، ولاتتحقق إلاّ بالاستناد الى قوة فوق الطبيعة.
وبناء على ذلك لاتكون المعجزة إلاّ بشروط:
1 ـ إنَّها عمل ممكن ومقبول عقلاً.
2 ـ الناس العاديون، وحتى النوابغ منهم، ليس بمقدورهم أنْ يقوموا بمعجزة باستخدام القدرات البشرية.
3 ـ لابدّ أنْ يكون صاحب المعجزة واثقاً من نفسه بحيث أنَّه يتحدى الناس ويدعونهم لمنافسته.
4 ـ أنْ لايستطيع أي شخص الإتيان بمثل تلك المعجزة، أي أنْ يعجز الآخرون عن القيام بمثلها، كما يفهم من معنى الكلمة.
5 ـ المعجزة لابدّ أنْ تأتي ممن يدعي النّبوة والامامة (ولذلك فإنَّ الاعمال الخارقة للعادة التي يأتي بها غير الانبياء والائمة تدعى كرامات، لامعجزات).
أعظم معجزة لنبيّ الاسلام(صلى الله عليه وآله):
يعتقد جميع علماء الاسلام أنَّ القرآن الكريم أعظم معجزات نبيّ الاسلام. إنَّ أفضلية القرآن آتية من كونه.
أوّلاً: معجزة عقلية تتعامل مع أرواح الناس وأفكارهم.
وثانياً: من كونه معجزة خالدة أبداً.
وثالثا: من كونه معجزة قد مضى عليها أكثر من أربعة عشر قرناً وهي تتحدي البشر كافة منادية: إذا كنتم تزعمون أنَّ هذا الكتاب السماوي ليس من عند الله فأتوا بمثله. وقد جاء هذا التحدي مرّات عديدة في القرآن الكريم:
(قُلْ لَئِن اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالجِنُّ عَلَى أنْ يَأتُوا بِمِثْلِ هذا القُرآنِ لا يَأتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَو كَانَ بَعْضُهُم لِبَعْض ظَهِيْراً). سورة الاسراء، الآية 88.
وفي موضع آخر يقول:
(أمْ يَقُولُونَ افْتَريهُ قُلْ فَأتُوا بِعَشْرِ سُوَر مِثْلِهِ مُفْتَرَيَات وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِنْ دُونِ اللهِ إنْ كُنْتُم صادِقِينَ). سورة هود، الآية 13.
ثمّ يضيف مباشرة قائلاً:
(فَإنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُم فَاعْلَمُوا أنّما أنْزِلَ بِعِلْمِ اللّهِ). سورة هود، الآية 14.
ثم يسهّل شروط التحدي فيقول:
(وَإنْ كُنْتُم فِي رَيْب مِمّا نَزَّلنَا عَلَى عَبْدِنا فَأتُوا بِسُورَة مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِنْ دُونِ اللهِ إنْ كُنْتُم صادِقِينَ). سورة البقرة، الآية 23.
وفي الآية التالية يقول:
(فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتّقُوا النَّارَ الّتي وَقُودُها النّاسُ وَالحِجَارَةُ اُعِدَّتْ لِلكافِرِينَ). سورة البقرة، الآية 24.
إنَّ هذه التّحديات المتتالية لمواجهة المنكرين إنْ دلّت على شيء فانّما تدل على أنَّ أكثر استناد النّبي(صلى الله عليه وآله) كان على إعجاز القرآن، على الرّغم من أنَّه كانت له معجزات اُخرى أيضاً حسبما ورد في كتب التاريخ.
أدلة آخر على صدق نبوّة نبيّ الاسلام:
هناك طريق آخر غير طلب المعجزة لا ثبات صحة دعوى النّبوة أو عدمها، وهو طريق يعتبر بحد ذاته دليلاً حياً آخر للوصول الى الهدف المنشود، وذلك هو دراسة القرائن التالية وتوفر عدد منها في مدعي النّبوة:
1 ـ مميزاته الاخلاقية وتاريخه الاجتماعي.
2 ـ الظروف التي تسود المحيط الذي ظهرت فيه الدّعوة.
3 ـ الظروف الزّمانية.
4 ـ محتوى الدّعوة.
5 ـ خطط الدّعوة التنفيذية ووسائل الوصول الى الهدف.
6 ـ مقدار الأثر الذي تتركه الدّعوة في المحيط.
7 ـ مقدار ايمان صاحب الدّعوة بهدفه ومدى تضحية في سبيله.
8 ـ عدم التّساوم مع الاعداء لحرفه عن طريقه.
9 ـ سرعة تأثير الدّعوة في الرأي العام.
10 ـ دراسة الذين يؤمنون بالدعوة وطبقتهم الاجتماعية.
واليك التفاصيل :
1 ـ فيما يتعلق بمميزات نبي الاسلام الاخلاقية، فإنَّ كتب التاريخ التي كتبها المحبون والكارهون تؤكد لنا أنَّه كان على درجة من الطهارة والنقاء والاستقامة بحيث أنَّهم في ذلك العصر الجاهلي وصفوه بالصادق الامين. يقول التاريخ: عندما إراد الهجرة الى المدينة طلب من علي(عليه السلام) أنْ يؤدي عنه الامانات الى أصحابها.
أمّا شجاعته وثباته وحسن خلقه وسعة صدره وفتوته وتضحياته فيمكن التعرف عليها من خلال حروبه وفترات سلمه. إنَّ العفو العام الذي أصدره بالنسبة لاهل مكة بعد فتحها واستسلام اعدائه الالداء للمسلمين خير دليل حي على خلقه النبيل.
2 ـ إنَّنا نعلم أنَّ الناس العاديين ـ بل حتى النّوابغ منهم ـ يتأثرون بالمحيط الديني الذي يعيشون فيه شاؤوا أم أبوا، وأنْ يكن تأثرهم على درجات متفاوتة.
تصور، إذن، رجلاً عاش أربعين سنة في محيط كله جهل وعبادة اصنام، وتسوده ثقافة الخرافات والاباطيل، كيف يمكن له أنْ يدعو الى التوحيد الخالص، وأنْ يبادر الى مصارعة مظاهر الشرك كلها؟ كيف يمكن أنْ يصدر عن محيط جاهل أعلى التّجليات العلمية التي تعشي الابصار؟ أيمكن أنْ نصدق أن ظاهرة عجيبة كهذه يمكن أن تظهر الى الوجود بغير أنْ تكون مؤيده من الله من ما وراء الطبيعة؟
3 ـ علينا أنْ نعرف العصر الذي ظهر فيه النّبي(صلى الله عليه وآله). لقد كان عصر القرون الوسطى، عصر الاستبداد والمحاباة والامتيازات الظالمة، عصر العنصرية والطبقية. تعال نستمع الى وصف ذاك العصر من لسان علي بن أبي طالب(عليه السلام)، اذ يقول:
«بعثه والنّاس ضلاّل في حيرة، وحاطبون في فتنة، قد استهوتهم الاهواء، واستنزلتهم الكبرياء، واستخفتهم الجاهلية الجهلاء، حيارى في زلزال من الامر، وبلاء من الجهل...». نهج البلاغة، الخطبة 95
فتصور ديناً شعاره المساواة بين الناس والقضاء على التبعيض العرقي والطبقي: (إنّما المؤمنون إخوة) كيف ينسجم مع مثل ذلك العصر؟
4 ـ محتوى الدعوة التوحيد من جميع الجهات، والغاء الامتيازات الظالمة، توحيد عالم الإنسانية، مكافحة الظلم والجور، اقامة حكومة عالمية، الدفاع عن المستضعفين، واعتبار التقوى والطهارة والامانة من أهم معايير القيم الإنسانية.
5 ـ بالنسبة للخطط التنفيذية لم يُجِز ابداً المقولة القائلة أنَّ الغاية
تسوّغ الواسطة، وللوصول الى أهدافه المقدّسة. كان يقول:
(وَلا يَجْرِمَنَّكُم شَنآنُ قَوم عَلَى أنْ لا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا). سورة المائدة، الآية 8.
أمّا علو أخلاقه فيتضح من تعليماته في التزام المبادىء الاخلاقية في ميادين الحرب، عدم الاعتداء على غير المقاتلين، الامتناع عن قطع شجرة، وعدم تلويث مياه شرب العدو، ومعاملة الاسرى بكل محبّة، وعشرات اخرى من امثال هذه التعليمات.
6 ـ مقدار تأثير دعوته في ذلك المحيط كان من الشدّة بحيث أن الاعداء كانوا يخشون الاقتراب منه، خوفاً من أن ينجذبوا إليه، فكانوا إذا أخذ يتكلم يثيرون الجلبة والضوضاء لئلا يسمع الناس ما يقول فتنجذب اليه قلوبهم العطشى. ولكي يموهوا على الناس تأثيره المعجز وصفوه بالساحر الذي ينطق بالسحر، وهذا بذاته اعتراف ضمني بقوّة تأثير دعوته الخارقة للعادة.
7 ـ أمّا مقدار تضحيته في سبيل دعوته، فلقد كان أشدّ الناس إيماناً بهذا الدين الذي عهد اليه به.
في بعض الحروب التي فرّ منها المسلمون الجُدد، وقف هو بثبات، ولم ينفع معه ترغيب الاعداء ولاترهيبهم، بل ظل ثابتاً على دينه، لا يظهر عليه شي من الضعف والتردد.
8 ـ كثيراً ما سعوا لجرّه الى التّساوم مع المنحرفين، ولكنه لم يتزحزح قيد شعرة عن موقفه، بل قال:
«والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الامر ما تركته».
9 ـ لم يكن تأثير دعوته في الرأي العام عجيباً فحسب، بل كانت سرعه انتشارها خارقة للعادة أيضاً.
إن الذين قرأوا ماكتبه المستشرقون الغربيون حول الاسلام لابدّ أنّهم لاحظوا أنَّ اولئك يبدون دهشتهم من سرعة انتشار الاسلام. من هؤلاء ثلاثة من الاساتذة الغربيين الذين كتبوا عن تاريخ حضارة العرب يعترفون بهذه الحقيقة دون مواربة، ويقولون:
«على الرّغم من البحوث والدّراسات التي اُجريت لمعرفة سبب انتشار الاسلام السريع في العالم بحيث انه سيطر على جانب واسع من العالم في أقل من قرن، فإنَّ القضية مازالت غامضة».
نعم، أنَّه لغز غامض! ترى كيف استطاع في ظروفه تلك أنْ ينفذ الى قلوب ملايين الناس بتلك السرعة العجيبة، وأنْ يهضم في ذاته مختلف الحضارات ويخلق حضارة جديدة؟!
10 ـ نصل أخيراً الى اعدائه، فقد كانوا من رؤساء الكفر والظالمين المستكبرين والمترفين والانانيين، في الوقت الذي كان فيه الذين آمنوا به، في غالبيتهم، المحرومين والعبيد، اناس ما كان لهم من رأسمال سوى الطهارة وصفاء النفس والتعطش الى الله.
من خلال ماسبق يمكن أنْ نستنتج أنَّ دعوته ( ص ) دعوة إلهية، دعوة انبعثت ممّا وراء الطّبيعة، وأنَّه قد بعثه الله لينقذ الانسان من الفساد والضياع والجهل والشرك والظلم والجور.
الدرس السادس
رابعــا: الامـامـة
الامامـة: هي خلافة عن النبوة ، قائمة مقامها في المهام و الصلاحيات إلا في تلقي الوحي الإلهي بلا واسطة .
و الامامة أمر كان بعد كل نبي و بالذات بعد النبي المصطفى محمد بن عبد الله ( صلَّى الله عليه و آله ) لكونها لطفاً من الله تعالى ، إذ لا بُدَّ و إن يكون في كل عصر إمام هادٍ يخلف النبي في وظائفه من هداية البشر و إرشادهم إلى ما فيه الصلاح و الفلاح و السعادة في الدنيا و الآخرة ، فالإمامة استمرار للنبوة .
ثم إن الإمامة لا تكون إلا بالنص من الله تعالى على لسان النبي أو لسان الإمام الذي قبله ، و ليست هي بالاختيار و الانتخاب من قبل الناس .
هذا و إن الأئمة بعد النبي محمد ( صلَّى الله عليه و آله ) هم إثنا عشر إماما نصَّ عليهم النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) و ذكرهم جميعا بأسمائهم بصورة كاملة .
الامام : هو الذي يقتدي به في الاسلام ويتقدم المسلمين ويقودهم. وفي عقائد الشيعة يطلق «الامام المعصوم» على من يكون خليفة رسول الله(صلى الله عليه وآله) في كل شيء، سوى أنَّ النّبي هو مؤسس الاسلام، والامام حافظه وحاميه، والنبي يتلقى الوحي، والامام لايأتيه الوحي، بل يأخذ تعليماته من رسول الله(صلى الله عليه وآله) ويمتاز بعلم غزير خارق للعادة.
الامام المعصوم، عند الشيعة، لا يعني رأس الحكومة الاسلامية فحسب، بل هو القائد «المعنوي» و «المادي» و «الظاهري» و «الباطني» وقائد كل جوانب المجتمع الاسلامي أيضاً. وعليه تقع مسؤولية حماية العقائد والاحكام الاسلامية بدون أي خطأ أو انحراف، وهو عبد اختاره الله من بين عبيده.
الادلة على امامة اهل البيت عليهم السلام
اولا:أدلة من القرآن الكريم:
1- الاية 67 من سورة المائدة :
(يا أيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَيكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ إنَّ اللهَ لايَهْدِي القَومَ الكَافِرينَ).
تدلّ لهجة هذه الآية على أنَّ الكلام يدور حول مهمة خطيرة موضوعة على عاتق رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأنها مهمّة تثير القلق، وقد تواجه معارضة بعض الناس، ولذلك تطمئن الآية خاطر الرسول بقولها «والله يعصمك من الناس» مع التوكيد على ضرورة أداء المهمّة.
لاشك أنَّ هذه المسألة المهمة لم تكن تتعلق بقضايا التوحيد والشرك ومحاربة الاعداء من اليهود والمنافقين وغير ذلك، لأنَّ هذه المسائل كانت كلها قد انجزت قبل نزول هذه الآية من سورة المائدة.
ثم إنَّ ابلاغ أحكام الاسلام للناس لم يكن يوماً مصحوباً بمثل هذا القلق والتوجس، بينما يتبين من الآية أنَّ المهمّة كانت على قدر من الأهمية بحيث أنَّها لاتقل وزنا عن أداء الرسالة برمتها، بحيث لو أنَّه لم يؤد تلك المهمة فكأنَّه لم يؤد الرسالة نفسها. فهل هناك شىء غير مسألة تعيين خليفة رسول الله له مثل هذه الاهمية؟ خاصة وأنَّ الآية قد نزلت في أواخر عمر النّبي(صلى الله عليه وآله)، أي في الوقت المناسب لتعيين من يخلف النّبي من بعده، للاطمئنان على استمرار النّبوة والرسالة.
ثم أنَّ هناك روايات كثيرة عن فريق كبير من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، منهم «زيد بن أرقم» و «أبوسعيد الخدري» و «ابن عباس» و «جابر بن عبدالله الانصاري» و «أبوهريرة» و «حذيقة» و «ابن مسعود»، وبعض هذه الروايات قد وصل الينا عن احد عشر طريقاً، نقلها كثير من علماء أهل السنة من المفسرين والمحدثين والمؤرخين، وكلها تقول أنَّ هذه الآية نزلت بحق الامام علي(عليه السلام)يوم الغدير.
2- الآية 59 من سورة النساء:
(يا أيّها الّذينَ آمَنُوا أطِيْعُوا اللهَ واطِيْعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُم).
هنا نلاحظ إنَّ إطاعة أولي الأمر قد جاءت الى جانب إطاعة الله ورسوله بدون أي قيد أو شرط. فهل المقصود من أولي الأمر هم الحكام في كل عصر وفي كل مجتمع؟ فهل على المسلمين في هذا العصر مثلاً وفي مختلف البلدان أنَّ يطيعوا حكّامهم بدون قيد ولاشرط؟
إنَّ هذا التفسير لا ينسجم مع أي منطق، إذ أنَّ أكثر الحكّام في مختلف العصور كانوا حكاماً منحرفين ملوثين بالاثم ويتبعون الظلم والظالمين.
فهل المقصود اذن إطاعة الحكام على شرط أنْ لايكون حكمهم مخالفاً لاحكام الاسلام؟ هذا أيضاً لايأتلف مع اطلاق الآية.
فهل المقصود هم صحابة الرسول(صلى الله عليه وآله)؟ هذا المفهوم أيضاً لايتلاءم مع المفهوم العام الذي تنطوي عليه الآية والشامل لمختلف العصور.
بناء على ذلك يتبين لنا بوضوح ان المقصود هوالقائد المعصوم الموجود في كل عصر وزمان، فهو الذي تجب اطاعته بدون قيد ولاشرط، وأمره كأمر الله ورسوله، واجب التنفيذ.
إنَّ الاحاديث الكثيرة الواصلة الينا من مصادر اسلامية متعددة بهذا الشأن والتي تفسر «أولي الأمر» بالامام علي(عليه السلام) والأئمّة المعصومين(عليهم السلام)، دليل آخر يؤيد هذا الادعاء.
3- لآية 55 من سورة المائدة:
(إنّما وَلِيُّكُم اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذينَ آمَنُوا الّذينَ يُقِيْمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكاةَ وَهُم رَاكِعُونَ).
باستعمال «إنَّما» الدالة على الحصر، يحصر القرآن ولاية المسلمين ورعايتهم بثلاثة: الله، والرسول، والذين آمنوا ويعطون الزكاة اثناء ركوعهم.
يلاشك أوّ أنَّ «الولاية» هنا لا تعني المحبّة بين المسلمين، لإنَّ تبادل المحبّة بين عامة المسلمين لا يستوجب هذه القيود والشروط، فالمسلمون اخوة يحب بعضهم بعضاً، وإنْ لم يدفعوا زكاة اثناء الرّكوع. وبناء على ذلك، فالولاية هنا تعني القيادة والإمامة المادية والمعنوية، خاصّة أنَّها جاءت في مصاف «ولاية الله» و «ولاية الرسول».
كما أنَّه من الواضح أيضاً أنَّ هذه الآية بالأوصاف التي وردت فيها تشير الى شخص معين بذاته، وهو الذي كان راكعاً عندما أعطى الزكاة، وإلاّ فليس هناك مايدعو الانسان الى أنْ يعطي زكاته عندما يصلي وعند الركوع من صلاته. وهذا في الواقع علامة، وليس صفه عامة.
مجموع هذه القرائن يدل على أنَّ هذه الآية اشارة عميقة المعنى الى حكاية الامام علي(عليه السلام) وهي أنَّه كان راكعاً في صلاته فسمع فقيراً يطلب الصدقة من المصلين، إلاّ أنَّ أحداً لم يسعفه بشيء، فمد يده اليمنى أثناء ركوعه الى ذلك الفقير مشيراً اليه أنْ يأخذ خاتماً كان يلبسه في إصبعه، فاخذه الفقير وانصرف، وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله)قد لحظ ما جرى بطرف عينه. وعند انتهاء الصلاة رفع راسه الى السماء وقال:
«اللّهم إنَّ أخي موسى سألك فقال: (ربّ اشرح لي صدرى ويسرلي أمرى واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به ازري وأشركه في أمرى)فانزلت عليه قرآناً ناطقاً، (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون اليكما). اللّهم وأنا محمّد نبيك وصفيك اللّهم فاشرح لي صدري ويسرلي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً أشدد به ظهري...».
لم يكد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ينتهي من دعائه حتى نزل جبرئيل بالآية المذكورة.
وانه ممّا بلفت النظر أنَّ كثيرين من كبار مفسري أهل السنة ومحدثيهم ومؤرخيهم يؤيدون كون الآية قد نزلت في علي(عليه السلام).
الدرس السابع
رابعا: الامامة
ثانيا:أدلة من السنة النبوية الشريفة:
ملاحظة هامة جدا
نحن غير ملزمين بما جاء في كتب المخالفين لمدرسة أهل البيت عليهم السلام , فقد ثبت لنا بالدليل القاطع ، و الصحيح ، والثابت - وذلك من خلال السنة الصحيحة التي نقلها لنا من نثق بهم - ان الرسول ( ص) قد نصب عليا عليه السلام إماما من بعده مباشرة ، وبدون فاصل، وانه (ص ) قد ذكر أسماء الأئمة من بعد الإمام علي عليه السلام.
ولكن عند مناقشة الطرف الأخر نحن ندينه بمصادره الذي هو يعترف بصحة ما جاء فيها، أما نحن فلسنا ملزمين بما جاء في كتبهم .
واليك بعض الاحاديث المتفق عليها :
1-حديث الغدير:
يقول الكثير من المؤرخين إنَّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) أدى فريضة الحج في آخر سنة من سنوات عمره الشريف، وبعد الانتهاء من الحج، رجع ومعه جماعات غفيرة من أصحابه القدامى والجدد والمسلمين المولعين به الذين كانوا قد اجتمعوا من مختلف نقاط الحجاز ليلحقوا برسول الله(صلى الله عليه وآله) في أداء فريضة الحج. وعند وصولهم الى مكان بين مكة والمدينة اسمه (الجحفة)، تقدمهم نحو (غدير خم) حيث كان متفرق طرق يتفرق ، عنده الناس كل الى وجهته.
ولكن قبل أنْ يتفرق الناس من هناك الى انحاء الحجاز، أمر الرسول الناس بالتوقف ودعا الذين سبقوه الى الرجوع، وانتظر حتى لحق به الذين كانوا في الخلف. كان الجو حاراً جداً ومحرقاً، ولم يكن في تلك الصحراء المترامية ما يستظل به. أدى المسلمون صلاة الظهر مع رسول الله(صلى الله عليه وآله). وعندما أراد الناس الانصراف الى خيامهم فراراً من حرارة الجو، أخبر النّبي(صلى الله عليه وآله) إنَّ عليهم أنْ يستمعوا الى بلاغ مهم جديد من جانب الله في احدى خطبه المسهبة.
أقيم لرسول الله(صلى الله عليه وآله) منبر من أحداج الإبل، فارتقاه، وبعد أنْ حمد الله وأثنى عليه، وقال من جملة ماقال:
... أما بعد أيَّها الناس اسمعوا مني أبيّن لكم فإنِّي لا أدرى لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا. أنا مسؤول وأنتم مسؤولون. ترى كيف تشهدون لي؟
فرفع الناس اصواتهم قائلين:
نشهد أنَّك قد بلغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيراً.
فقال النّبى(صلى الله عليه وآله):
«أتشهدون بأنْ لا إله إلاّ الله، وأن محمّداً رسول الله، وأن الله سيبعث من في القبور يوم القيامة؟»
فقالوا جميعا: نعم نشهد بذلك.
فقال: اللّهم اشهد! ثم سألهم: أيّها الناس، أتسمعون صوتي؟
قالوا: نعم.
وساد الجمع صمت لم يسمع خلاله شي سوى صوت هبوب الريح وأخيراً قال النّبي(صلى الله عليه وآله):
«أنبئوني ما تفعلون بعدي بهذين الثقلين العظيمين اللذين سأتركهما بين ظهرانيكم؟»
فقام رجل من بين الجمع وقال:
أي ثقلين تعني يا رسول الله؟
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
«الثقل الاوّل هو الثّقل الأكبر، كتاب الله ، القرآن، ما أنْ أخذتم به لن تضلوا. والثقل الثّاني هو عترتي، آلي بيتي. ولقد أخبرني اللطيف الخبير بانّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، إنْ سبقتموهما هلكتم، وإنْ تخلفتم عنهما هلكتم».
ثمّ نظر النّبي(صلى الله عليه وآله) الى أطرافه كأنَّه يبحث عن شخص، فلما وقع بصره على علي(عليه السلام)انحنى وأمسك بيده ورفعها حتى بان بياض إبطيهما، فرآه الناس وعرفوه.
وارتفع صوت النبي(صلى الله عليه وآله) وهو يقول: أيّها الناس، من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟
فقالوا: الله ورسوله أعلم.
فقال(صلى الله عليه وآله):
إنَّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، أولى بهم من أنفسهم. فمن كنت مولاه فعلي مولاه.
وكرر هذا القول ثلاث مرات. وقال بعض الرواة أنه كرره أربع مرات ثم رفع رأسه الشريف الى السماء وقال:
«اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحبّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار.»
ثم قال(صلى الله عليه وآله): ألا هل بلّغت؟
قالوا: نعم.
قال(صلى الله عليه وآله): فليبلغ الشاهد الغائب.
وقبل أنْ يتفرق الجمع نزل جبرئيل الأمين بالآية التالية على رسول الله(صلى الله عليه وآله):
(اليَومَ أكْمَلْتُ لَكُم دِينَكُم وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُم نِعْمَتِي...)
فقال النبي(صلى الله عليه وآله):
«الله أكبر، الله أكبر، على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرّب برسالتي والولاية لعلي من بعدي.»
ثم قام الصحابة يتزاحمون لتهنئة علي(عليه السلام) بالولاية. وكان منهم أبوبكر وعمر، اللذان تقدما الى علي(عليه السلام)يقولان: بخ بخ ( هنيئا ) لك يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة!
2-حديث «المنزلة»:
تحرك رسول الله(صلى الله عليه وآله) نحو تبوك (وهي تقع في شمال جزيرة العرب على مقربة من امبراطورية الروم). كان النبي(صلى الله عليه وآله) قد أخبر بأنَّ امبراطور الرّوم قد جاء بجيش عظيم يريد به أنْ يهاجم الحجاز ومكة والمدينة، لكي يخنق الثورة الاسلامية في مهدها قبل أنْ يصل برنامجها الانساني والتحرري الى تلك المنطقة. فتحرك النّبي(صلى الله عليه وآله)الى تبوك، تاركاً علياً في مكانه فقال علي(عليه السلام): «أتتركني بين النساء والاطفال، ولا تسمح لي بالاشتراك في الجهاد معك؟»
فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله):
«ألا ترضى أنْ تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنَّه لا نبيّ بعدي؟».
هذه العبارة مذكورة في اشهر كتب الحديث عند أهل السنة، مثل صحيح البخارى وصحيح مسلم، إنَّما الاختلاف بينهما هو أنَّ صحيح البخارى يورد الحديث كله، بينما صحيح مسلم يورد الحديث كله مرة، ويورد عبارة «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنَّه لانبيّ بعدى» مرّة اُخرى، كتعبير عام وكلي.
كما جاء هذا الحديث في عدد كبير من كتب اهل السنة، منها «سنن ابن ماجة» و «سنن الترمذي» و «مسند احمد» وغيرها. والذين يروون الحديث عن الصحابة يزيد عددهم على العشرين، منهم (جابر بن عبدالله الانصاري) و (أبوسعيد الخدري) و (عبدالله بن مسعود) و (معاوية).
ينقل (أبوبكر البغدادي) صاحب «تاريخ بغداد» عن «عمر بن الخطاب»: إنَّه راى رجلاً يشتم علياً(عليه السلام)، فقال له عمر: لا أراك إلاّ من المنافقين، فقد سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله):
«إنّما علي منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنَّه لا نبيّ بعدي».
3-حديث يوم الدّار:
جاء في كتب التاريخ الاسلامي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أمر باعلان دعوته السّرية في السنة الثالثة من البعثة، كما جاء في الآية 214 من سورة الشعراء:
(وَأنْذِرْ عَشَيرَتَكَ الأقْرَبِينَ).
فدعا الرّسول(صلى الله عليه وآله) أقرباءه الى بيت عمّه أبي طالب. وبعد تناول الطّعام، قال:
«يا بني عبدالمطلب إِّني أنا النّذير إليكم من الله عزّوجلّ والبشير فاسلموا وأطيعوني تهتدوا».
ثمّ قال: «من يؤاخيني ويؤازرني ويكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي ويقضي ديني؟»
فسكت القوم، فأعادها ثلاثا. كل ذلك يسكت القوم، ويقول علي: أنا. فقال في المرّة الثالثة: «أنت».
فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمّره عليك.
وروي: أنَّه جمعهم في الشعب فصنع لهم رجل شاة فأكلوا حتى تضلعوا (أي شبعوا) وسقاهم عسّاً فشربوا كلهم حتى رووا. ثم قال: إنَّ الله أمرني أنْ أنذر عشيرتك الاقربين وأنتم عشيرتي ورهطي وأنَّ الله لم يبعث نبيّاً إلاّ جعل له من أهله أخا ووزيراً ووارثاً ووصياً وخليفة في أهلي، فأيّكم يقوم فيبايعني على أنَّه أخي ووارثي ووزيرى ووصيي ويكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنَّه لا نبيّ بعدي؟ فسكت القوم. فقال: ليقومن قائمكم أو ليكونن من غيركم ثم لتندمن. ثم أعاد الكلام ثلاث مرّات. فقام علي(عليه السلام)فبايعه فأجابه، ثم قال: اُدن منّي. فدنا منه ففتح فاه ومج في فيه من ريقه وتفل بين كتفيه وثدييه، فقال أبولهب: بئس ما حبوت به إبن عمّك إن أجابك فملأت فاه ووجهه بزاقاً. فقال النّبي(صلى الله عليه وآله) ملأته حكماً وعلماً».
4-حديث الثّقلين:
أصل الحديث كما يرويه أبوذر الغفارى، هو:
«لما صدر النّبي(صلى الله عليه وآله) من حجّة الوداع قال على المنبر: يا أيّها الناس إنّي مسؤول وإنكم مسؤولون... إنِّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، وإنَّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».
هنا لابدّ من ملاحظة مايلي:
1 ـ الاشارة الى القرآن والعترة كثقلين أو كخليفتين، تدل على أنَّ الواجب على المسلمين التمسّك بهما دائماً، وخاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار ماجاء في الحديث الشريف:
نص الحديث: ما أنَّ تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً.
فإنَّ الأمر يزداد توكيداً وثبوتاً.
2 ـ قرن «القرآن الكريم » بـ «العترة الاطهارة» متجاوزين دليل على أنَّه مثلما أنَّ القرآن لن تناله يد التحريف أبداً ويبقى مصوناً من كل تحريف، كذلك تكون عترة رسول الله(صلى الله عليه وآله) في مقام العصمة.
5-حديث سفينة نوح:
من التعبيرات اللافتة للانتباه والواردة في كتب أهل السنة والشيعة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)هو حديث «سفينة نوح» المعروف.
في هذا الحديث يقول أبوذر: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله):
«ألا إنَّ مثل أهلي بيتي فيكم مَثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق».
هذا الحديث من الاحاديث المشهورة التي توجب على الناس اتباع علي(عليه السلام)وأهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله)بعده.
فاذا عرفنا أنَّ سفينة نوح كانت ملجأ ووسيلة النجاة من ذلك الطوفان العظيم الذي شمل العالم، اتضحت لنا هذه الحقيقة، وهي أنَّه إذا هبت الاعاصير والطوفانات – الانحرافات والفتن والجهل- بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما على الاُمّة الاّ أنْ تتمسك بأذيال الولاء لاهل البيت(عليهم السلام)، اذ لا سبيل لها الى النجاة بغيرهم.
الائمة اثني عشر:
وكمثال على ذلك نقرأ في «صحيح البخاري» وهو من أشهر كتب أهل السنة، مايلي:
يقول جابر بن سمرة: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول «يكون اثنا عشر أميراً» ثم قال كلمة لم اسمعها. فقال أبي أنَّه قال: «كلّهم من قريش».صحيح البخاري، ج 9، كتاب الامام، ص 100.
قد ورد هذا الحديث في «صحيح مسلم» هكذا: قال جابر سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله)يقول:
«لاَيَزالُ الاْسْلامُ عَزِيزاً الى اثنَي عَشَر خليفَة»
ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: «كلّهم من قريش».صحيح مسلم كتاب الامارة، باب الناس تبع قريش.
وفي «مسند أحمد» عن عبدالله بن مسعود، الصحابي المعروف، أنَّه قال: سئل رسول الله(صلى الله عليه وآله) بشأن الخلفاء، فقال:
«إثنا عشر كعدة نقباء بني اسرئيل».مسند احمد، ج 1، ص 398.
هذه الأحاديث ـ التي يرى بعضها أنَّ (عزة الاسلام) منوطة (بالاثني عشر خليفة) ويرى بعضها الآخر أنَّ حياة الدين وبقاءه الى يوم القيامة موكولان بهم، وأنَّهم كلهم من قريش، وفي بعضها كلهم من بني هاشم ـ لاتنطبق على أي مذهب سوى المذهب الشيعي، وذلك لأنَّ توجيهها بسيط وواضح بحسب معتقدات أهل التشيع، في الوقت الذي يصل فيه علماء أهل السنة في توجيها الى طريق مسدود.
هل المقصود هم الخلفاء الاربعة الاول اضافة الى خلفاء بني أمية وبني العباس؟
نحن نعلم، بالطبع، أنَّه لا الخلفاء الاول كانوا اثنى عشر، ولا بانضمام خلفاء بني اُميّة وبني العباس اليهم بلغوا هذا العدد. إنَّ العدد اثني عشر لاينطبق على أي منهم.
ثم إنَّ من بني امُيّة خلفاء مثل «يزيد» ومن بنى العباس مثل «المنصور الدّوانيقي» و «هارون الرشيد»، ممن لايشك أحد فيما ارتكبوه من جرائم وظلم وطغيان، فلا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارهم خلفاء للنبي(صلى الله عليه وآله) ومدعاة لعزة الاسلام ورفعته مهما تساهلنا في تبسيط الموازين.
واذا تجاوزنا عن كل ذلك، فاننا لن نجد العدد اثني عشر يتمثل في أي مجموعة منهم سوى في ائمّة الشيعة الاثني عشر.
الدرس الثامن
رابعا: الامامة
ثالثا:دليل سيرتهم وعلمهم عليهم السلام:
لقد ذكرنا الادلة على امامة اهل البيت عليهم السلام أولامن الكتاب الكريم وثانيا من السنة النبوية المطهرة وهنا نستدل على امامتهم بسيرتهم وعلمهم واخلاقهم.
لقد كانوا هم اعلم الناس واعبدهم لله تعالى واشجعهم واكثرهم حفظا لأمن الناس وكانوا اتقى الناس واكثرهم حبا وعطفا وانفاقا على المحتاجين.
من يتتبع سيرتهم عليهم السلام لايجد غير ذلك بالرغم من محاولة التكتيم على فضائلهم واضطهادهم وعزلهم عن مراكزهم التى اختارها الله لهم ورغم محاربة فكرهم وحتى تصفيتهم جسديا.
كان بعض الحكام يأتوا بالعلماء المخالفين لخط أهل البيت عليهم السلام في قصورهم و في المساجد والحوزات العلمية من اجل عزلهم عليهم السلام عن الناس وايجاد البدائل لهم ولكنهم عجزوا عن ذلك.
ملاحظة هامة : ارجع إلى صفحة المعصومين عليهم السلام وتعرف على السيرة الطاهرة
الدرس التاسع
رابعا: الامامة
الامام المهدي علجل الله تعالى فرجه الشريف
أن المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف الذي اخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم هو محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي عليهم السلام ، ولد سنة 255 هـ . بسامراء ، ثم غيّبه الله تعالى ، وهو الذي يرسله الله حيث يشاء لإنقاذ الناس من الظلم ، وإزالة الشرك من على وجه الأرض ، وتقرير التوحيد وعبودية الإنسان لله ، وتحكيم شريعة الله وحدوده في حياة الناس . وهو الذي يقود هذا الانقلاب الكوني الشامل الواسع ، في انتقال القوة من الطبقة المترفة المستكبرة الفاسدة إلى الطبقة الصالحة المستضعفة ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ).
وقد تواترت الرواية عن أهل البيت عليهم السلام بان المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف الذي بشّر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم هو ابن الحسن العسكري ، والثاني عشر من أهل البيت عليهم السلام .
ففي نفس الوقت الذي نحن مأمورون بالدعاء بتعجيل الفرج ، فنحن مأمورون أيضاً لتهيئة أنفسنا ، وللاستعداد الكامل لان نكون بخدمته ، وإذا عمل كلّ فرد منّا بوظائفه ، وعرف حقّ ربّه عزوجل وحقّ رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)وحقّ أهل بيته (عليهم السلام) ، فقد تمّت الارضية المناسبة لظهوره (عليه السلام) ، ولا أقل من أنّا أدّينا تكاليفنا ووظائفنا تجاه الامام (عليه السلام) .
ملاحظة هامة : ارجع إلى صفحة الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف وتعرف على كل ما يتعلق بالعقيدة المهدوية
الدرس العاشر
خامسا: المعاد يوم القيامـة
هو البعث يوم القيامة ، و يعني حشر الناس روحاً و جسداً و إعادتهم بعد الموت و في يوم موعود ، و ذلك لمحاسبتهم على ما فعلوه ليثيب المطيعين و يعذب العاصيين ، و هذا مما اتفقت عليه الشرائع السماوية و أخبر به الرسول الأمين محمد ( صلَّى الله عليه و آله ) و لا محيص للمسلم من الإيمان به كأصل من أصول الدين ، و كعقيدة أخبر بها القرآن الكريم من بعث و ثواب و عقاب و جنة و نعيم و نار و جحيم .
عودة الانسان الى العالم الآخر يكون بروحه وبجسمه معاً، صحيح إنَّ هذا الجسم يتحول الى تراب بعد الموت، وإنَّ ترابه يتشتت في أرجاء الارض ويضيع، ولكن الله القادر العالم يجمع كل ذرات الجسد يوم القيامة ويضفي عليها لباس الحياة مرّة اُخرى،
جاء اعرابي الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقطعة عظم بالية قائلا:
(منْ يُحيي العِظَامَ وَهِي رَمِيمٌ)؟
فيجيبه الرسول(صلى الله عليه وآله) بأمر من الله:
(قُلْ يُحْييها الّذي أنْشَأهَا أوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيمٌ * الّذي جَعَلَ لَكُم مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ ناراً فَاذا أنْتُم مِنْهُ تُوقِدُونَ) «كما جاء في آخر سورة يس».
(أوَلَمْ يَرَوا كَيْفَ يُبْدِىءُ اللهُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيْدُهُ إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيْرٌ) سورة العنكبوت، الآية 19.
وبناء على ذلك فالانسان إذا كان مسلماً وقارئاً للقرآن، لايمكن أنْ ينكر المعاد الجسماني، لأنَّ إنكاره، في نظر القرآن، إنكار للمعاد نفسه.