• التاريخ : السبت 5 ذوالقعده 1433

ضرورة العناية والاهتمام بالمفاهيم والمضامين القرآنية


           

 
 

والتدقيق في ترجمة كتاب الله ونظرة إلى الفن القرآني حول الشكل والمضمون
(المشكلة الأساسية في مجال قراءة القرآن، من دون تبصّر، وتفكّر، هو أن بعض القراء لا يتريثون عند هذه النقطة حسناً، عندما تستمعون كلام شخص حكيم أو حديثاً مشحوناً بالحكمة. فالمتوقع أن تنشغفوا به وتهيموا في حلاوته، وبدون هذا الحب والهيام، سوف لن تقدروا على إدراك كلام هذا المراد والمحبوب. فكل كتاب آخر ـ خاصة إن كان الكتاب قيّماً والكاتب حكيماً كبيراً، رفيع المنزلة ـ سيكون شأنه كذلك؛ فإن تقرؤه باستعجال ومن دون تبصر وتدقيق، فسوف لم تفهموا منه شيئاً، فالقرآن يطلب منا بأن لا نقرأه من دون تدبر وتريث ودقة، إذ أن القرآن يمتلك أعلى مرتبة وأرفع منزلة في العالم بين باقي الكتب، لأنه قد هبط من أعلى قمة هذا العالم من حيث المعرفة والعلم المطلق ولهذا فإن الإنسان عليه أن يتأمل ويتبصر كلام القرآن الكريم جيداً ولأن عمق الآيات الكريمة والمفاهيم القرآنية، ليس لها حد محدود، من هنا فالمتبصر فيها سيستفيد منها ويستمتع بها حسب استيعابه، حتى لو كان الشخص، هو النبي(ص) بالذات، فإذا ما تبصّر وتأمل في الآيات سوف يستفيد منها ويستمتع بها، بطبيعة الحال، إنّ النبي الأكرم(ص) والأئمة الطاهرين ـ عليهم السلام ـ كانوا يقرؤون القرآن ببصيرة ودقة دائماً)[1].
(بعض الأفراد من الخوارج ـ أولئك الذين تطرق أسمائهم، أسماعكم كثيراً في مثل هذه الأيام ـ كانوا يؤدون الوظائف والواجبات الدينية والعبادية ويقرأون القرآن ويقيمون الصلاة بخشوع وتضرع، إلى درجة أنهم أثّروا على أصحاب أمير المؤمنين، الإمام علي عليه السلام، حيث مرّ أحد أصحاب الإمام(ع) على خارجي ـ إبان واقعة النهروان ـ فرآه يمارس عباداته ومناسكه في جوف الليل وسمعه يقرأ هذه الآية بصوت حزين ورخيم﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ﴾[2]، فاهتاج وانصرف نحو أمير المؤمنين عليه السلام، إذ أن الشخصيات الذكية وأصحاب الوعي والمعرفة، من أصحاب الإمام(ع) المقربين، كانوا هكذا في كثير من الأحيان وكانوا يرتكبون مثل هذه الأخطاء، ومن هذه الزاوية نفهم كلام الإمام عليه السلام حيث قال: كان لا يجدر لغيري أن يقوم ما قمت به أنا في واقعة النهروان لإخماد هذه الفتنة، لأن الموقف كان يحتاج إلى السيف والوعي والثقة بالنفس والاعتماد عليها والإيمان بالطريق الذي انتهجه الإمام (ع) إزاء هذا الموضوع في آنٍ واحد، ومن هنا نرى بأن بعض الخواص أيضاً كانوا يتعرضون لزلزال عنيف في مواقفهم.
قال الإمام علي عليه السلام لهذا الصحابي في ذلك الموقف، حسب الرواية المنقولة: سأوضح لك الموضوع غداً، ففي غداة ذلك اليوم وبعد أن وضعت الحرب أوزارها ولم يبق من الخوارج أحياء إلا أقل من عشرة أشخاص وقد لاقى البقية حفتهم في ميدان القتال.
وأخذ الإمام عليه السلام يمشي بين القتلى ـ حتى تكون عبرة وموعظة لأصحابه ـ وبادر بالحديث مع بعضهم، إلى أن وصل إلى أحدهم، إذ كان منكباً على وجهه، فقال الإمام عليه السلام لأحد أصحابه: إقلبه على ظهره، فقلبوه على ظهره أو أقعدوه(التشكيك من قبل القائد(حفظه الله) حول كيفية النقل في كتب التاريخ)، ثم التفت الإمام (ع) إلى صاحبه الذي قد شاهد ذلك العارف الزاهد من رجال الخوارج في تلك الليلة وقد تأثر بعبادته وتلاوته الحزينة قائلاً: هل تعرف هذا؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، فقال(ع): إنه نفس الشخص الذي كان يقرأ القرآن البارحة وقد استولى على لبك! (كلام الإمام علي(ع) هنا لم يكن نصاً بل مضموناً).
أي تلاوة وقراءة هذه يا ترى؟! وأي عبادة هذه؟! بل إن هذه الأعمال لهي عين الإبتعاد والإنفصال عن روح العبادة، فإذا كان الإنسان عارفاً ومتعرفاً على روح العبادة والصلاة والقرآن، سيدرك عندها بأن لبّ الإسلام المجسّد والحقيقة الناصعة والوجود الكامل للإسلام يتجلى في شخصية الإمام علي عليه السلام، لهذا سوف لا يتيه الشخص في الشكوك والشبهات والضلال، بل سيطرد كل هذا من نفسه وروحه وسيلتحق ـ لا محالة ـ بجبهة الإمام (ع)، فهذه هي الجهالة العمياء بالنسبة إلى القرآن الكريم والدين الحنيف، وإلا فكيف لا يشخّص الإنسان هذا الموضوع الواضح الناصع؟
والأسوة من كل هذا، هو أن ينخرط في الحرب ضد الإمام علي عليه السلام ويشهر سيفه عليه وعلى مبادئه!)[3]
وهناك رواية أخرى تقول بأن الإمام علي عليه السلام كان يمشي على مقربة من أرض واقعة النهروان، فسمع أحد أصحاب الإمام (ع) صوتاً حزيناً شجياً لتلاوة القرآن في منتصف الليل وهو يقول: (أمّن هو قانتٌ آناء الليل)، فالتفت هذا الصحابي صوب الإمام علي عليه السلام وقال له: يا أمير المؤمنين! أتمنى لو كنتُ شعرة في جسم هذا الشخص الذي يتلوا القرآن بهذه الصورة الحزينة؛ لأنه سيذهب إلى الجنة وسوف لا يكون له مأوى آخر سوى الفردوس، عندها قال له الإمام (ع) (ما مضمونه): لا تحكم عليه بهذه السرعة والسهولة! تمهل قليلاً.
مرّت الأيام وقد اشتعلت نار الحرب في منطقة نهروان بين علي (ع) والخوارج، ففي هذه المواجهة تصدت جماعة الخوارج ـ المتطرفة المتصلبة المستائة، البذيئة اللسان والخائنة المتعصبة ـ لحكومة الإمام (ع)، فرفعت السلاح في وجه علي(ع)، فقال لهم الإمام (ع) عند ابتداء الحرب: من يترك ساحة الوغى أو أن يأتي تحت هذا اللواء، فسوف لن أحاربه، فأقدمت جماعة قليلة منهم على هذا الأمر ووافقت على اقتراح الإمام(ع)، في حين أن ما يقارب الـ4000 شخصاً منهم قد بقوا في الساحة، فاضطر الإمام (ع)، لقتل جميع هؤلاء وفي المقابل كان عدد الشهداء في جبهة الإمام (ع) أقل من عشرة أشخاص، في حين أن الذين لم يقتلوا في الحرب من مجموع الـ 4000 أو 6000 شخصاً من الخوارج، كانوا أقل من عشرة أشخاص أيضاً، والباقي قد قتلوا عن آخرهم!
لقد انتهت الحرب لصالح الإمام(ع) والجدير بالذكر أن الكثير من القتلى، كانوا من أهالي الكوفة وضواحيها، فهؤلاء هم الذين كانوا يحاربون الإمام(ع) في خندق واحد مع المقاتلين في واقعتي صفين والجمل، إلاّ أن هؤلاء قد أخطأوا في تحليلاتهم ومواقفهم، كان الإمام(ع) يمشي مع أصحابه بين القتلى من الطرفين في واقعة النهروان وقد استولى عليه حزن خاص، حيث كان القتلى مطروحين على الأرض، منكبين على وجوههم، فطلب الإمام (ع)، من أصحابه أن يقلبوا البعض ويقعدوا البعض الآخر منهم، كانوا ميتين، مع هذا كان الإمام (ع) يتكلم معهم ويتحدث إليهم، ففي هذا الحديث بإمكانك أن تستشف حكمة قيمة واعتباراً عزيزاً من كلام أمير المؤمنين(ع)، فلما وصل الإمام بالقرب من شخص مقتول في الحرب، فقلبه على ظهره ونظر إليه ملياً والتفت مخاطباً صاحبه الذي كان معه في تلك الليلة وقال له: هل تعرف هذا الشخص؟ قال: لا، يا أمير المؤمنين! فقال له الإمام(ع): إنه الشخص الذي كان يقرأ تلك الآية بشكل حزين، في تلك الليلة وقد تمنيت أن تكون شعرة في جسمه!
أجل إنه كان يتلو القرآن بتلك الصورة الحزينة الخلاّبة، لكنه كان يعارض ويحارب الإمام علي(ع)، أمير المؤمنين والقرآن المجسد في نفس الوقت! مع هذا كله فقد قام الإمام علي(ع) بمحاربة هؤلاء، فاستأصل جذورهم وأبادهم عن آخرهم ولم يبق منهم إلا تلك الشرذمة المنبوذة والمنعزلة عن المجتمع الإسلامي، لم تكن الظروف مؤآتية، حتى يتمكن هؤلاء من الإستيلاء على الأمور، في حين أنهم كانوا يهدفون إلى طموحات كبيرة تفوق هذه المواضيع)[4] .
(عليكم أن تعرفوا الخوارج جيداً، هؤلاء الذين كانوا يتمسكون بالدين بصورة عرضية وظاهرية وكانوا يتشبثون بالآيات القرآنية، ويقومون بحفظ القرآن الكريم لأنهم كانوا يؤمنون ببعض الأمور الدينية، حسب الظاهر، في حين أنهم كانوا يعارضون لبّ وأساس الدين ويتشددون لعقائدهم وأفكارهم، ويزعمون انتهاج سبيل الله، إلاّ أنهم كانوا من عبيد الشيطان، المطيعين له، فهل لاحظتم كيف أن المنافقين(المقصود بهؤلاء، أعضاء منظمة " مجاهدي خلق" الإرهابية) كانوا يتشدقون ويدّعون الإيمان والجهاد في سبيل الله، لكنهم عند اقتضاء الظروف الحرجة والحاجة الماسة مرقوا عن خط الإمام الخميني(ره)، وتعاونوا وتعاملوا مع الأمريكان والصهاينة ونظام صدام ومع أي طرف آخر للقيام بخدمته، من أجل محاربة الثورة الإسلامية والإمام (ره) ونظام الجمهورية الإسلامية! حيث أن الخوارج أيضاً كانوا هكذا، ولهذا فقد تصدى الإمام علي(ع) لهم بشكل قاطع، فهو الإمام الذي كان يجسد روح هذه الآية المباركة﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ [5]﴾[6].
(فإذا ما استيقظنا ووعينا ولم نرتكب الأخطاء الجسيمة، فليس بإمكان العدو أن يفعل شيئاً، لهذا فإن الخطأ والغفلة والتقصير الذي نرتكبه نحن، سيشكل دعماً كبيراً وسبباً هاماً في نجاح مخططات الأعداء.
دعوني أراجع التاريخ لأعرض لكم نموذجين من التاريخ، حتى يمكن لكم أن تدركوا جيداً، كيف أن هذه المفاهيم المشتبهة والمزدوجة المعنى تستطيع أن تجعل المجتمع متفرقاً ومتجزئاً:
النموذج الأول يتعلق بواقعة (صفين)، فعندما تمكّن جيش الإمام (ع) من الاستيلاء على معاوية، سارع الأعداء إلى رفع المصاحف فوق الرماح وما أن شاهد أصحاب علي(ع) القرآئين مرفوعة، دبّت الفرقة وظهر الاختلاف بينهم؛ لأن هذا الإجراء كان يعني أن القرآن سيكون حكماً بيننا وبينكم، فأصاب بعض الأصحاب الزلزال وقالوا لا يصح محاربة القرآن الكريم! لكنّ البعض الآخر قالوا بأن أساس الوقوف والتصدي لهؤلاء هو أنهم يحاربون ويعارضون القرآن الكريم؛ في حين أنهم جاءوا بجلود القرآن وصورته الشكلية الظاهرية، في حين أنهم يمارسون حربهم مع روح القرآن، الإمام علي(ع)، أمير المؤمنين، على أي حال فقد وقعت الفرقة وحصل الإنشطار والشرخ في جيش الإمام(ع) وأصابتهم هزّة عنيفة وكان ذلك من مخططات ومؤامرات العدو.
والنموذج الآخر، قد حدث في نفس الحرب (صفين)، بعد أن فرضوا قضية التحكيم على الإمام علي(ع)، قامت طائفة من داخل معسكر الإمام(ع)، حيث كانوا من الأصدقاء والأحباب ولم يكونوا من الأعداء والأجانب، فأطلقت شعار: ﴿لا حكم إلا لله﴾؛ أي لا حكم ولا حكومة إلا لله.
أجل، هو كذلك والقرآن الكريم أيضاً يشير إلى هذا المعنى بأن ( لا حكم إلا لله)؛ لكن هؤلاء، ماذا أرادوا من شعارهم هذا؟ إنهم أرادوا أن يخلعوا أمير المؤمنين(ع) عن الحكومة بواسطة هذا الشعار، لكن الإمام(ع) قد فضح مخططهم وكشف مؤامرتهم وقال: أجل إن الحكم والحكومة لله عز وعلا، إلا أنّ هؤلاء لا يريدون ذلك؛ بل عقيدة هؤلاء هي أن يقولوا: (لا إمرة إلا لله) وكان زعمهم هو أن لابد لله أن يتجسد ـ العياذ بالله ـ ثم يقوم بإدارة أمور وشؤون المجتمع؛ أي أن يستقيل ويتنحى علياً(ع) عن الحكومة! فهذا الشعار أدّى إلى خروج جماعة من المسلمين عن معسكر الإمام(ع)، والتحاقهم بتلك الجماعة الشقية الجاهلة الغافلة والسطحية الساذجة والسيئة القصد والسريرة أحياناً وانتهت المسألة بظهور فرقة الخوارج)[7].
كان الحجاج (بن يوسف الثقفي) رجلاً فصيحاً ومن بلغاء العرب والخطب التي كان يلقيها من على المنبر، تعتبر خطباً فصيحة وبليغة فذّة، حيث أن الجاحظ قد نقلها وجاء بها في كتابه(البيان والتبيين) وكان في نفس الوقت حافظاً للقرآن، لكنه كان رجلاً لعيناً خبيثاً، يعادي العدل ويعارض أهل بيت النبي الأكرم وآل الرسول(ص)، فلقد كان عنصراً عجيباً وكائناً معقداً للغاية.
لقد جيء بأحد هؤلاء الخوارج إلى الحجاج، وقد اطلع على أنه يحفظ القرآن، فقال له: (أجمعت القرآن؟) وكان يقصد هل جمعت القرآن في ذاكرتك؟ أي هل حفظت القرآن؟ دققوا في الأجوبة الإستنكافية والحادة لهذا الخارجي، عندها ستنكشف لكم طبيعة هؤلاء، أجاب(أمفرقاً كان فأجمعه؟) بطبيعة الحال كان يفهم ما يقصد الحجاج، إلا أنه أراد أن لا يجيبه.
صحيح أن الحجاج كان رجلاً سفاكاً قاسياً، إلا أنه اتخذ جانب الحلم والصبر هنا، فقال: (أفتحفظه؟) فأجاب الخارجي: (أخشيتُ فراره فأحفظه!)، إنه جواب غير لائق، يبعث على الإستياء والغضب! لاحظ الحجاج بأن هذا الخارجي لا ينوي الإجابة على أسئلته، فسأله أخيراً: (ماذا تقول في أمير المؤمنين! الخليفة عبد الملك؟) ـ وقد كان عبد الملك بن مروان، رجلاً شريراً، خليفة الأمويين، فقال الخارجي: (لعنه الله ولعنك معه!) أنظروا كيف كان يصرحون بأفكارهم بوضوح وعنف، فقال له الحجاج بدم بارد: ستقُتل أنت؛ قل لي كيف ستلاقي الله؟ أجاب: (سألقى الله بعملي وتلقاه أنت بدمي!) أنظروا كيف كان العناد واللجاج؟ ومن هنا نفهم بأن التصدي لهذه الجماعة لم يكن بالأمر اليسير، ولكن بطبيعة الحال، فإن الناس العاديين سيظلّوا معجبين بمثل هذه الشخصيات، بعد الإلتقاء بهم، إذ أن السُّذج من الناس، الذين لم يكسبوا اليقظة والبصيرة، عندما يشاهدون شخصية كهذه، يذوبون فيها وقد حصل هذا حقاً في زمن الإمام علي، أمير المؤمنين عليه السلام)[8].
(إنّ ما يذكرني بكم دوماً ـ أيها القرّاء الأعزاء ـ وهو مهم جداً بالنسبة لي، هو أنكم تقدرون أن تُلفتوا أنظار المستمعين إلى مغزى ومضمون القرآن الكريم، فتلعبون الدور الأساس في هذا المضمار، في الحقيقة إن ما يحتاج إليه الناس الآن بالنسبة للقرآن الكريم هو الوقت حتى يفهموه ويُدركوه، وهذا سيأتي بإيحاء وإلقاء منكم، كم هو مطلوب وجدير أن تتلى بعض الآيات الكريمة كثيراً حيث أنها تناسب أوضاع المسلمين في الوقت الراهن.
بطبيعة الحال، الناس بحاجة إلى جميع آيات القرآن الكريم، لكن البعض منها اليوم لابد أن تحظى باهتمام بالغ وعناية دائمة لدى الناس: بالإتكال على الله وعدم الخوف من أعداء الله والجهاد في سبيله وعقد الأمل على الفضل والعون الإلهي وخاصة قضية وحدة المسلمين، إذ أن الآيات القرآنية الكريمة ـ ولله الحمد ـ تشمل على مضامين كثيرة، فإذا ما تلوتم تلك الآيات في المجالس والاجتماعات سينتهي الأمر إلى التقرب من هذه المضامين والمعاني القرآنية، وبهذا يكون قد قدّمتم خدمة كبيرة جداً، وإذا ما قرأتم آية واحدة بصورة جيدة، فستكون أكثر قيمة وأكثر وقعاً ـ في بعض الأحيان ـ من إلقاء خطاب من قبل شخص، وقف يتحدث ساعة كاملة حول نفس الآية، أي أن هذه التلاوة تحدث ـ في الواقع ـ ثورة في الروح، فشكر النعمة، هي أن الإنسان يستغل ويستثمر تلك النعمة في مكانها ومحلها المناسب والشكر على هذا الصوت الجميل وهذا النَفَس القوي والتعرف على رموز التلاوة المناسبة، هو أداء الواجب وعرفان الجميل كما قلتُ )[9].
(صحيح أن جميع الآيات القرآنية الكريمة نور، لكن شبابنا اليوم بحاجة ماسة جداً إلى قسم محدد من الآيات، تلك التي تشير وتهدي إلى العزة الإسلامية واعتلاء المجتمعات الإسلامية والوحدة العملية بين الأوساط والشعوب الإسلامية في كل العالم، فشبابنا المسلم، في جميع أرجاء العالم الإسلامي، عليهم أن يمارسوا ويحفظوا مثل هذه الآيات ويأخذوا منها الدروس والعبر اللازمة في الحياة، حتى أني قلتُ ذات مرة، لأئمة الجماعات في مساجد بعض الدول العربية والإسلامية، الذين كانوا يختارون آيات خاصة في صلواتهم اليومية، فاقترحتُ عليهم بأن يختاروا الآيات القرآنية التي بإمكانها أن تؤثر في مصير ومستقبل الشعوب الإسلامية بشكل خاص.
بطبيعة الحال، نحن نطلب من الناس أن يقرؤوا ويتعلموا جميع الآيات القرآنية ونحن واثقون من أنهم سيتعلمونها لا محالة، لكني أريد أن أؤكد بأن هناك بعض المفاهيم القرآنية التي حال الإستعمار دون تعرف المسلمين عليها وقد أبعدها الأعداء عن متناول يد الجماهير المسلمة في العالم، أجل إنهم أبعدونا عن الجهاد وعن الآيات التي تشدد على عدم استيلاء الكفار على المسلمين وتؤكد على وحدة وتضامن المسلمين مع بعض، فهذه الآيات التي تُليت الآن مثلاً :    ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ﴾[10] وكذلك الآيات التي تشير في مفاهيمها ومعانيها إلى السيادة العلمية للإسلام على وجه الأرض وذلك لإدارة شؤون المجتمعات. فمن واجب جميع المسلمين أن يتعلموا ويمارسوا هذه الآيات بصورة تطبيقية)[11].
(الموضوع الهام جداً، هو أن استخدام وتوظيف الفن ـ كباقي الآليات التي تحمل نظرية وفكرة هادفة ـ لابد أن يكون الاستهداف فيه دقيق وواضح وصحيح للغاية، بعيداً عن التخبط في المسيرة المستقبلية، لأنه سينحرف عن سواء السبيل. أجل كان النبي(ص) يستفيد من جميع هذه الآليات والإمكانات، حتى آلية الفن لنقل هذه الفكرة ـ التي تعقبونها، أنتم الآن ـ وذلك في أجمل ثوب وأفخر حلّة ممكنة، ألا وهو القرآن الكريم.
والحقيقة أن القرآن يحمل بين طياته قابليات فنية ضخمة وجماليات هائلة، لا يمكن لنا أن نتصورها، فمثلاً لو قمتم بالتدقيق في كل القرآن؛ من أوله إلى آخره وكذلك في أحاديث الرسول الأكرم(ص)، عندها ستلاحظون بأنّ مقولة التوحيد والصراع مع الشرك والوثنية والشيطان ـ كرمز للشرّ والشقاء والخبث ـ تتواجد في جميع أقسام القرآن بوفرة وثراء وكذلك ستلاحظون العزم على السعي والعمل من دون كلل وحبّ الناس وتكريم الإنسان والإنسانية، يسيطر على الموقف في أغلبية الآيات، وبعبارة أخرى فإن المبادئ والأصول الإسلامية وجميع الموضوعات التي تشكّل أساس ودعامة الثورة، موجودة بغزارة وسخاء في كل القرآن الكريم، وكذلك فهي تتواجد في الأدب العربي إبان صدر الإسلام وكذلك في الأدب الإسلامي الملتزم الصحيح على مرّ العصور؛ وهكذا الروايات التي وصلتنا من الأئمة المعصومين عليهم السلام وما هو موجود بين دفتي كتاب نهج البلاغة للإمام علي عليه السلام)[12].
الحقيقة أن الإمام علي عليه السلام، فنّان فذّ وعبقري كبير وكذلك النبي الأكرم(ص) فنّان نابغة، والقرآن ليس إلاّ أثراً فنياً يفوق الطاقات البشرية، بل هو كتاب رباني، والإسلام أول ما بدأ به هو الفن، فإن كان الإسلام لا يمتلك القرآن؛ هذه التحفة اللغوية الفنية الفريدة، لعل الأمور كانت تتعثر في بعض الجهات.
إنّ الله عزوجل لم يأتِ بشيء من دون حكمة ومصلحة، حيث كانت هناك حكمة بالغة لعرض هذه المفاهيم والمعاني الإلهية على الناس، وذلك عن طريق هذا الفن العملاق والمؤثر، حيث أنه قد مرّ على نزوله أكثر من (1400) سنة، في حين أنه مازال يدفع الناس إلى النهوض والثورة، وهو يعتبر أحسن آلية تملكونها ـ أنتم الآن ـ لبثّ روح الحياة والحركة في المجتمعات الإسلامية، أي الآيات القرآنية، وهي أفضل آلية تمتلكونها في هذا الصدد وهذا شيء عجيب للغاية؛ إذ أن القرآن لم يتأثر بالقِدَم وغبرة الزمان وسوف لا يطرأ عليه شيء من صدأ الأيام والسنين، ومن هذا المنطلق فبإمكانكم أن تحملوا هذا السلاح الصالح والآلية المؤثرة أينما كنتم، وذلك لتزكية النفس والمضي في طريق الجهاد والمثابرة)[13].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] كلمة قائد الثورة الإسلامية (حفظه الله) في لقاء خاص بالأخوات، بمناسبة مولد السيدة فاطمة الزهراء(سلام الله عليها) ، 18/7/1377هـ.ش 10/9/1998م.
[2] الزمر:9.
[3] نقلاً عن كتاب (حديث الولاية)، ج4، ص 136 و 137.
[4] نفس المصدر، ج7، ص 50 و 51.
[5] الفتح:29
[6] من خطبتي صلاة الجمعة لقائد الثورة المعظم بطهران، 12/11/1375هـ.ش 1/2/1996م.
[7] نقلاً عن خطبتي صلاة الجماعة بطهران، لقائد الثورة الإسلامية، 26/ 1/1379هـ.ش 15/3/2000م.
[8] نقلاً عن كتاب (حديث الولاية)، ج7، ص 49  و 50.
[9] نفس المصدر، ج3، ص 308، و 309.
[10] النساء: 64.
[11] نقلاً عن كتاب (حديث الولاية)، ج7، ص 141.
[12] نفس المصدر، ج2، ص 314 و 315.
[13] نفس المصدر، ج8، ص 127.
 
 
 
المصدر: مؤسسة قدر الولاية الثقافية




Copyright © 2009 The AhlulBayt World Assembly . All right reserved