(النقطة الأخرى التي ينبغي طرحها الآن ـ وقد طرحتها أنا بالذات في هذه الجلسة وخارج هذه الجلسة كراراً ـ هي أنكم يجب أن تتعلّموا كيفية القراءة وآداب التلاوة في المجالس, ولهذا إفترضوا أن هناك جماعة من المسلمين والمؤمنين، قد اجتمعوا في محل ما، ثم طُلب منكم أن تقرءوا لهم القرآن.
فهذا هو الشيء الذي يشكّل جهدي ويبلور فكرتي وأنا أودّ أن تكون هناك مجالس ومنابر خاصة لقرّاء القرآن وكما يعتلي الآن الوعّاظ المنابر، ينبغي للقرّاء أيضاً أن يعتلوا المنابر، ثم يبادروا بقراءة وتلاوة القرآن الكريم لمدة نصف ساعة مثلاً، عندها سيتمكن الناس من استماع كلام الباري عزوجل بصورة مباشرة من القارئ، فتخشع القلوب وتدمع العيون وتسمع الآذان المواعظ، ثم ينصرفون إلى أعمالهم؛ في حين أننا الآن نجعل من قراءة وتلاوة القرآن الكريم كمقدمة لإلقاء الكلمات والخطب ليس إلاّ! أي أن القراءة لا تقام إلا على هامش الخطاب.
أنا بالذات كنتُ أخطب وأحاضر في مدينة مشهد خلال سنتي 51 و 1352هـ.ش(72 ـ 1973م) فكنت أقف وألقي كلمتي وبعد إنهاء الخطاب، كنت أجلس على الأرض، ثم كنا نهيأ كرسياً حتى يجلس عليه القارئ ليبدء بتلاوة القرآن؛ فـ(السيد فاطمي) هذا مثلاً (أحد القرّاء الإيرانيين المتواجدين في ذلك المجلس) وبعض الأخوة الآخرين، كانوا يجلسون على كرسي أو منبر ثم يبدؤون بتلاوة القرآن، وكنت أقول في حينها بأن كلمتي ما هي إلا مقدمة لقراءة وتلاوة القرآن الكريم، فكنت ألقي خطابي واقفاً، لكن القرّاء كانوا يجلسون على كراسي عالية وجملية تشبه المنابر ويشرعون بقراءة نفس الآيات التي كنتُ قد أشرتُ إليها وفسّرتها بعض الشيء في خطابي، هذه هي أطروحتي وهذا هو مشروعي حول كيفية قراءة القرآن.
كلامي هو أن القرآن لابد أن يتصدر الأمور في المجتمع، ولابد أن تتعرف أمة حزب الله على القرآن رويداً رويداً، إلى درجة أن يستمعوا إلى القرآن عن طريق تلاواتكم بصورة مباشرة ثم يدركوا معاني الآيات من دون أن يراجعوا الترجمة، لابد من ارتقاء المنبر في المجالس، ثم تبدؤون بتلاوة القرآن، عندها سيذرف المستمعون الدموع بعد استماعهم للآيات القرآنية، نحن نهدف إلى هذا بالذات.
فإن أردتم القيام بهذا العمل، فعليكم أن تجذبوا الناس وتستولوا على قلوبهم، من خلال أصواتكم، ولتحقيق هذا الأمر، هناك آداب وفنون. عليكم أن تكسبوها وتتعلموها عن طريق تربية الإستعداد وتزكية الفطرة والإنصات إلى أشرطة القرّاء المعروفين، بطبيعة الحال، إنّ قسماً من هذا قد تحقق في الآونة الأخيرة والمفروض أن يتحقق القسم المتبقي منه في المستقبل القريب)[1].
(أنا سعيد بلقاء الإخوة والسادة الكرام، خاصة الشيخ راغب مصطفى، إذ أني قد تعرفتُ على صوته وتلاوته الجميلة منذ سنوات بعيدة، وكذلك يسرني جداً لقاء(الشيخ بسيوني) كثيراً.
إعلموا أيها الأخوة الكرام! بأن فخركم وشرفكم وعزّكم بالقرآن وهذه التلاوة تعتبر شرفاً كبيراً بالنسبة لكم، كما قال النبي (ص) " أشرف أمتي؛ حَمَلَة القرآن" وأنتم حملة القرآن والحمد لله.
نحن نكنّ لكم الودّ العميق والإحترام الفائق ونعتقد بأن قُرّاء القرآن الكريم أيضاً يحملون رسالة صعبة ومسؤولية كبيرة، وفي الحقيقة، أينما انتشر وأذيع صوتكم، فأنتم حاضرون هناك وبواسطة هذا الحضور الشامل في كل مكان، بإمكانكم أن تكونوا مؤثرين، أي من الممكن أن تقوموا على تغيير شعب بأكمله، عن طريق تلاوة واحدة، في الواقع، بإمكانكم إيجاد التغيير والتطوير في المجتمع وذلك بفضل رغبة ومحبة الناس بالقرآن الكريم وعن طريقه, فهم يكنّون بالحب والإحترام إليكم.
نحن نأمل بأن يستفيد ويلتذ الناس من أصواتكم وتلاوتكم، خلال هذه المدة التي تمكثون فيها على أراضي الجمهورية الإسلامية، فهنا الناس يعشقون القرآن، في حين أن النظام البائد، لم يعطي الفرصة الكافية للقراء، ولكن بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية، فقد ازداد شوق وحماس شبابنا وأطفالنا نحو القرآن الكريم وممارسة قراءته، فهناك عشرات الآلاف من الشباب والناشئة الآن وهم في مقتبل أعمارهم، يمارسون تلاوة القرآن، من دون أن يحضروا في دورات خاصة أو صفوف معينة بهذا الشأن، بل كلما يقومون به، هو استماع أشرطة الأساتذة ولهذا يكسبون المهارة اللازمة بهذه الطريقة، شيئاً فشيئاً، والآن وبفضل هذا العمل، قد ظهرت شريحة وطبقة مرموقة من هؤلاء الذين أصبحوا أساتذة الآن، أي من دون أن يحضروا في صف أو دورة خاصة، بل أنهم بدؤوا بالإستماع والدقة والمطالعة الخاصة بفنون القراءة والتلاوة، فأصبحوا أساتذة. فإذا ما أراد شعب أن يعمل بالقرآن ويطبق القرآن، فالخطوة الأولى هي أن يتعرف على هذه الألفاظ والظواهر القرآنية، فعلى عامة الناس أن يستأنسوا بالقرآن، إذ أن هذا الإستئناس سيضمن لهم إدراك المفاهيم القرآنية فيما بعد.
فأنا بالذات، لي ذكريات مع هذا الشيخ؛ (الشيخ راغب مصطفى) ولا بأس أن أسرد لكم إحداها: في سنة 46 أو 1347هـ.ش، (67 ـ 1968م)، أي قبل حوالي 21 أو 22 سنة من الآن، حيث كنتُ أبحث عن تلاوة الشيخ مصطفى إسماعيل في إذاعات الدول العربية ـ خاصة إذاعة مصر ـ وكنا نفتش بدقة، علّنا نحصل على قراءة الشيخ، هذا ولم تكن آنذاك أشرطة للقرآن في الأسواق وكذلك لم تكن هناك إذاعة خاصة بالقرآن، لهذا كنا مضطرين لمراجعة الإذاعات الأخرى.
لأننا كنا نعشق تلاوة الشيخ مصطفى إسماعيل، فكنا نعثر على أشرطته من هنا وهناك ونستمع إليه، كان لي صديق في تلك الفترة ـ هو المرحوم السيد جعفر ـ حيث أن الأخوة يعرفونه ، فهو الآخر، كان يجلس معي ويستمع إلى تلاوة الشيخ. وفي يوم من الأيام رآني المرحوم فقال لي: اليوم، حصلتُ على صوت نجل الشيخ مصطفى إسماعيل في راديو مصر! قلت له: كيف ومن أين علمت أنه نجله؟ قال: لأن اسمه راغب مصطفى وهو نجل الشيخ مصطفى إسماعيل، ولما استمعتُ إليه، قلت له: يبدو أنه حقاً نجل الشيخ مصطفى إسماعيل؛ لأن صوته يشبه صوت الشيخ مصطفى إسماعيل! وخاصة أن التلاوة كانت نفس الآيات المعروفة: ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ﴾[2] [3].
(لقد أكدتُ ووصيّتُ الإخوة الذين يمارسون التلاوة القرآنية مراراً وتكراراً حول هذا الموضوع، إذ لا يمكن تلاوة القرآن بشكل جميل وجيد، من دون أن تتعرفوا على كيفية استخدام قاعدة (الوصل) و(الوقف) ومتى تجدر القراءة في المواقف والعبارات المختلفة وبأي لحن يجب أن تكون، لأنكم ترفعون صوتكم مرة وتخفضونه مرة أخرى وبهذا تجعلون كلامكم أكثر تأثيراً، لأن ذلك ضروري في إفادة الكلام وبيان المعنى، فعند تلاوة القرآن، لابد من استخدام ومراعاة هذه النقاط والملاحظات ومن دون التعرف عليها، لا يمكنكم تطبيقها عند القراءة والتلاوة، هذه هي الخطوة الأولى، أما الخطوة الثانية في هذا المجال، هي العلم على حفظ القرآن الكريم، ومن ينجح في إنجاز هذه المهمة، فليعلم بأنه قد أوتي خيراً كثيراً.
نسأل الله عزوجل أن يحشرنا مع القرآن، في الدنيا والآخرة، وأن تكون حياتنا قرآنية ـ إن شاء الله ـ ونتحرك باتجاه أهداف هذا القرآن الشريف، ونأمل أن يكون مماتنا أيضاً مشحوناً بمعرفة القرآن وأن نكون في خدمة القرآن دوماً)[4].
(ها أنتم الآن قد تقدمتم في هذا القسم، ولكن ماذا ستصنعون بعد ذلك؟ لقد تعرفتم وتعلّمتم الطرق والأساليب اللازمة في قراءة وتلاوة القرآن وهكذا كيفية أداء الحروف والتلفظ الصحيح لمخارج الحروف وتعلّمتم أيضاً كيفية أداء الصوت واللحن، هذا وأنفاسكم في القراءة والتلاوة جيدة ـ ولله الحمد ـ وقد تفوقتم على بعض المتمرسين والأساتذة في هذا المجال ولكن ماذا بعد ذلك؟ هل ستتوقفون عند هذا الحد يا ترى؟ بطبيعة الحال، لا، لأنكم لازلتم في أول الطريق، فهناك بعض الإشكالات والنقائص الأساسية في قرائتكم ـ أنتم الأطيبون الأفاضل، حيث تعلمون كم أحبكم وأكنُّ لكم الإحترام ـ فلابد من تصحيح هذه الأغلاط والأخطاء الموجودة في تلاوتكم، لهذا ارتأيت أن أذكركم بعض النقاط، من خلال هذه المسابقات القرآنية والتلاوات التي استمعت إليها، في غضون الأشهر القليلة الماضية ولحد الآن.
لقد توصلت إلى هذا الموضوع فيما مضى أيضاً، وخلال هذه الجلسات القرآنية، قد أشرتُ إليها لمرات عديدة، لكني الآن، أريد أن أؤكد على الموضوع بدقة وتركيز أكثر.
إحدى الملاحظات في هذا المجال، هي أنكم لا تراعون قاعدة (القطع) و(الوصل) أثناء التلاوة بشكل صحيح وموزون، فإني قد سجلتُ بعض الملاحظات والتعليقات الواردة بتلاوتكم، حيث لم تكن هناك فرصة كافية لطرح جميع تلك الملاحظات، فلو كان هناك الوقت الكافي لأشرت إليكم بها؛ متى استخدمتم قاعدة الوصل في غير محله ومتى استفدتم من قاعدة (القطع) بشكل غير مناسب، ففي بعض الأحيان تحدث مثل هذه الأخطاء وبذلك يصبح المعنى والمفهوم في الآية مشوشاً ومرتبكاً وهناك حالات أخرى لا تؤدي إلى التشويش والخلل في فهم معاني الآيات القرآنية، إلا أن التلاوة سوف لا تكون بالشكل الجميل واللائق، فمثلاً عندما تقرؤون هذه الآية هكذا: ﴿وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ﴾[5] سنفهم شيئاً خاصاً من قراءتكم هذه، في حين لو قرأتم الآية المذكورة بهذه الصورة: ﴿وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا, سُبْحَانَهُ﴾؛ أي جعلتم فاصلة بين العبارة الأولى﴿وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا, سُبْحَانَهُ﴾أي أنكم تركتم فاصلة بين العبارة الأولى والعبارة الثانية(سبحانه) ولهذا فنحن سنفهم الآية بشكل آخر, وبطبيعة الحال فإن الحالة الثانية هي الأصح، ولو استسلمنا للحالة الأولى عندها يمكن استنباط هذا المعنى بأن عبارة(سبحانه) أيضاً تكون استمراراً لكلام الذين قالوا: (اتخذ الله ولداً).
ولابد من الإشارة هنا في مجال استخدام قاعدة (الوصل)، فسوف لم تكن النتيجة خطأً لأن الإستنباط الذي تكلمنا عنه، لم يكن واضحاً للغاية، ولهذا لم نلاحظ وجود كلمة (وقف) عادة، عند نهاية هذه الآية الكريمة.
فأنتم تتلون القرآن بصورة جيدة وتقومون بمحاولات حثيثة لتقديم قراءة جيدة ومناسبة، فكيف يمكن لكم أن تتجاهلوا مثل هذه القاعدة الواضحة؟ وإلا فذلك سيقلل من جمال التلاوة بشكل ملحوظ. هذا ولا يقتصر الموضوع على (القطع) و(الوصل) فحسب، بل إنكم إذا قمتم بالتلاوة بين اجتماع وأفراد لهم معرفة بالقرآن، فإنهم يلاحظون اللحن أيضاً، إذ أن القرّاء المعروفين في العالم والرموز الذين يفضلونهم الخواص، لم يكن ذلك كله لأجل صوتهم العذب فحسب، بل يتعلق الموضوع بمثل هذه الأشياء التي أشرتُ إلى بعض منها هنا.
فمثلاً لمّا تقرؤون هذه الآية نقلاً عن فرعون: ﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾[6] والتي قام بتلاوتها أحد الإخوة الآن، فعليكم أن تقرؤوا الآية بشكل يشعر من خلالها المستمع بأنها زعم كاذب وادّعاء زائف من قبل فرعون ولا ينبغي أن تكون التلاوة كتلاوة هذه الآية التي تقول: ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾[7] وهذا شيء يمكن تطبيقه وهو الشيء الذي كنا نلاحظه في قراءة القارئ الشيخ مصطفى إسماعيل، بل يمكن القول بأن أهمية القراءة التي يقوم بها الشيخ هي مراعاة هذه النقاط، فهو كان يقرأ الآية هكذا وعليكم أيضاً إذن أن تقرؤوا القرآن بنفس الطريقة، وهذا لا يتحقق إلاّ عن طريق التعرف على معاني ومفاهيم الآيات الكريمة.
في الوقت الراهن، عليكم واجب واحد، وبطبيعة الحال لا أريد منكم الآن أن تكونوا قرّاء محترفين ـ كهؤلاء الأخوة ـ ولكن إذا ما تقدمتم وأصبحتم قرّاء محترفين، فلا بأس، فنحن سوف لن نعارض ذلك، بل إنما أريده بالتحديد، هو أن تهتموا بقراءة وتلاوة القرآن، إلى جانب أعمالكم الإدارية ووظائفكم الحكومية وغير الحكومية التي تمارسونها الآن، أي قد يكون أحدكم طالب جامعة والآخر طالب ثانوية والثالث طالب العلوم الدينية والرابع رجل أعمال والآخر موظف في دائرة والآخر عسكري، فإلى جانب هذه الأعمال، فهو يمارس قراءة وتلاوة القرآن، فبإمكانكم أن تواصلوا وتكملوا هذه المهمة، إلى جانب أعمالكم وفعّاليتكم العادية.
وفيما لو بدءنا بمدح وثناء شخص ما، نراه بعد مدة قصيرة يتراجع عن مستواه السابق! فمثلاً لمّا نمتدح برنامجاً ما في الإذاعة والتلفزيون ونصرّح بأنه برنامج جيد، ثم نستمع إليه في اليوم التالي، نجده قد تراجع عن تلك الجودة وذلك الإتقان! أنا لا أدري سر هذا الأمر! نحن نمدح ونثني على الإخوة القراء والآن أيضاً أقوم بمدحكم والثناء عليكم، وهذا لا يعني أن قراءتكم وتلاوتكم كاملة، لا نقص فيها، لا، بل عليكم أن تتقدموا أكثر فأكثر، فكل سبل الحياة في نماء وتقدم دائم نحو أللاّنهاية.
أيها الأخوة القرّاء! لابد من التقدم والنمو. أولاً: حاولوا أن تطوّروا أصواتكم، فالصوت ـ خاصة تلك الأصوات الأصيلة ـ بإمكانه أن يتقوى ويتحسن. ثانياً: لابد أن تأخذوا قضية القراءة الصحيحة على محمل الجدّ.
فالمتوقع منكم أن تقرؤوا القرآن بصورة صحيحة، فأنا ألاحظ بعض القراء الأفاضل من الأخوة الإيرانيين، عندما يتلون القرآن، لازالوا يخطأون في بعض الجهات من ناحية أصول اللغة العربية والتجويد، وهناك بعض الأخطاء موجودة الآن ولابد من تصحيحها؛ مثلاً لاحظتُ بأن أحد القراء قد استخدم المدّ في تلاوته أكثر مما ينبغي، أو أنه كان يحاول الاستفادة من قاعدة الإدغام، إلا أنه في بداية الإدغام ـ وبدون أن يشعر هو ـ كان يميل صوته إلى الإخفاء، صحيح أن المقصود هو الإدغام في هذا المجال بالذات، لكن بداية الإدغام هذه تشبه بداية الإخفاء، فيفسد عملية الإدغام، بتصرفه هذا وهو من أغلاط القراءة)[8].
(وهناك بعض الإخوة يقرؤون ويتلون القرآن، لكنهم لا يطبقون قواعد القطع والوصل، حيث أن في تلاوتكم اليوم، كانت آية، استفدتم فيها من قاعدة الوصل وقد كانت نقلاً عن كلام الله عزوجل، فاختلط بكلام الكفّار! فهل يحسن ذلك؟! ولهذا فمن يفهم معاني الآيات والترجمة، ثم يلاحظ منكم هذا الوصل في غير محله، سيصدم وكأنه قد تلقى مسماراً في أذنيه!
أول البارحة كنت أشاهد التلفاز حيث كان أحد الإخوة الإيرانيين يتلو القرآن الكريم، إلا أن استعماله الغير مناسب لقاعدة القطع والوصل أثناء التلاوة، كان يزعج الإنسان حقاً. فلماذا تستفيدون من قواعد القطع والوصل بهذه الصورة؟!
دعوني أقول لكم بأن هذه القواعد تعتبر علماً في القراءة والمفروض هو التعرف على مواطن الوصل أو القطع في القراءة، لا تقولوا بأن القارئ فلان في مصر يقرأ بهذه الصورة، فليقرأ بأي صورة يشاء، إنه مخطئ هو الآخر في طريقته هذه! فهل كلما يقرأ وبأي صورة كانت، يعتبر لكم حجة مقبولة؟!
المفروض هو أن تنظروا إلى الآية بدقة تامة، والأسهل من كل شيء هو أن تلاحظوا علائم الوقف الموضوعة في بعض آيات القرآن، ففي الطبعات الجديدة للقرآن قد كتبوا بدلاً من (الوصل أولى) و(الوقف أولى) علائم اختصارية أخرى مثل: (صلي) و(قلي) وبهذا فقد سَهّلوا الموضوع، فإذا لم تراعوا هذه العلامات, فالمفروض أن تراعوا مفاهيم تلك الحروف الرمزية الموجودة في أغلب القرآئين على الأقل، مثل حروف الـ(ج) و(ط) و(م).
وليس من الضروري أن تستفيدوا من قاعدة (الوصل)، إلاّ في بعض الحالات الإستثنائية لأن الآية في حد ذاتها تعتبر فصلاً. وفيما لو اطلعتم على معاني الآيات بصورة دقيقة في المستقبل، عندها سيكون بإمكانكم أن تتفنّنوا وتتصرفوا حسب ذوقكم وإدراككم للآية، في حين لمّا لم تكونوا مطلعين عل معاني الآيات، فلا ينبغي أن تفعلوا ذلك.
ثم إن الالتفات إلى الفواصل مهم أيضاً، فمثلاً افترضوا بأنكم قد قرأتم عبارة من آية كريمة، ثم سكتم لتأخذوا النَفَس لمواصلة الآية، كم ينبغي لنا أن نصبر حتى تأخذوا هذا النفس وتواصلوا قراءة الآية؟! في حين أنّ المفروض هو أن تواصلوا قراءة بقية الآية دون أي تباطؤ؛ فلماذا هذا التأخير؟! ففي الكلام الإعتيادي، نحن نقوم بمواصلة الحديث من دون تلكؤ أو إنقطاع وأحياناً نتريثُ ونتأمل قليلاً، وهذا يفيد في لفت النظر وجلب نفوس المستمعين في قراءة آيات القرآن الكريم أيضاً ولابد أن ننتهج نفس الطريقة والمنهج هنا)[9].
(لقد قام شعبنا بحركة جهادية واحدة، في حين أن الله عزوجل قد منحه وأعطاه الآلاف من المكافئات، وإحدى تلك المكافئات والنعم التي أنعم الله علينا بها، هي سيادة هذا الجو القرآني في البلاد ولهذا نحمد الله عزوجل على هذه الموهبة العظيمة.
أتذكر في العهد البائد، كنّا نحاول ونعاني كثيراً حتى نتمكن من رصد إحدى الإذاعات، كإذاعة مصر التي كنّا نستمع عن طريقها إلى تلاوة القرّاء المشهورين بصعوبة بالغة.
كان لي صديق ـ رحمه الله ـ قد ذهب، آنذاك، إلى مصر وبقي هناك لعدة أشهر، وعند عودته أتى ببعض الأشرطة للقراء المعروفين ـ كأبي الفتاح والشيخ مصطفى إسماعيل ومحمد رفعت وغيرهم ـ إلى إيران، فأنا بالذات كنتُ معجباً بقراءة الشيخ أبو الفتاح كثيراً وكنتُ أستمع إليه، ثم بعد ذلك تعرّفتُ على صوت الشيخ مصطفى إسماعيل، فانتهت هذه المعرفة لنسيان البقية، إذ أن صوت الشيخ كان رائعاً وبديعاً جداً، ثم لابد من التذكير بهذا الموضوع هنا بأن الرغبة العامة الآن في إيران، تصبّ لصالح الشيخ مصطفى إسماعيل، أي أن قراءنا الأعزاء يتدربون على كيفية قراءة الشيخ أكثر من غيره، وحسب اعتقادي بأن هذا التيار قد بدأ من مدينة (مشهد)، ومن الأوساط القرآنية التي كنّا ننتمي إليها آنذاك، حيث أن الناس والقرّاء كانوا لا يعرفون إلاّ الشيخ عبد الباسط، فلما أتيتُ أنا إلى طهران، في تلك الفترة، وجدتُ الشيخ عبد الباسط هو المشهور والمعروف من القرّاء بين سكان العاصمة، وكذلك الحال في بقية المدن والمحافظات أيضاً، إذ كان الشيخ عبد الباسط هو الأكثر شهرة وشعبية بين الأغلبية الساحقة من القرّاء والمعجبين الإيرانيين.
فنحن في (مشهد)، كانت لدينا أشرطة الشيخ مصطفى إسماعيل. واتفّق أن سافر أحد أصدقاءنا إلى مصر، فطلبت منه أن يحمل معه ما أمكنه من أشرطة الشيخ مصطفى إسماعيل، فسافر وعاد حاملاً معه بعض الأشرطة الجيدة جداً من قراءة الشيخ وبعد استلامي الأشرطة، أعطيتها للسيد (مرتضى فاطمي) ـ حيث كان يستنسخ لنا الأشرطة ـ ليقوم باستنساخها، ففعل ما طلبنا منه ثم سلمنا الأشرطة ـ للإخوة القادمين من طهران ولهذا فقد أرسلتُ جميع الأشرطة إلى طهران ومن هنا ذاع صيت الشيخ مصطفى إسماعيل في طهران أيضاً، والحق أن الشيخ كان يتمتع بصوت مدهش وعجيب للغاية، لا أدري هل استمعتم وتعرفتم إلى صوته أم لا؟ إنه يتمتع بتلاوة رائعة وبديعة حقاً، فإنه قد تلى سورة هود وسورة البقرة والآيات المتعلقة بقصة سيدنا داود عليه السلام وجالوت، حيث كانت مدهشة ومتميزة للغاية)[10].
الشيخ مصطفى إسماعيل كان رائعاً ومنفرداً في تلاوته، لأن تلاوته تضم على نقاط مهمة تستحق التقليد والمحاكاة، فإلى جانب صوته الرخيم وأدائه الجيد والمتقن للحروف والكلمات، فلقد كان يبعث روحاً جديدة في العبارات القرآنية، أي أنه، لما كان يتلو الآية، فقد كان يشعر المستمع بإحساس خاص، تقتضيه تلك الآية، فمثلاً في سورة هود، عندما كان يتلو الآيات المتعلقة بقصة ابن سيدنا نوح عليه السلام والتي تقول: ﴿إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾[11]، يشعر الإنسان أثناء هذه القراءة للشيخ، بأن هناك أباً يرى بأمّ عينيه ضياع وانهيار ابنه، أي أنه يشعر بأن هناك رحمة ورأفة الوالد على ولده وكذلك الكراهية إزاء كفره وعصيانه، فهو يوحي بهذه المشاعر والأحاسيس المتضابة في تلاوته، وهذا شيء مهم جداً لأن ذلك يضاعف من التأثير في المستمع والقارئ للقرآن الكريم، لقد لاحظتُ ما يشبه هذه الحالة تقريباً وإلى حدّ ما، في قراءة الشيخ عبد الفتاح، فهو الآخر هكذا تقريباً . المرحوم المنشاوي أيضاً، هو الآخر من الوجوه الشهيرة في مجال التلاوة القرآنية، على هذا السياق، وبالمناسبة ألاحظ بعض الإخوة المتواجدين الآن هنا، هم من مقلدي الشيخ المرحوم المنشاوي)[12].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] نقلاً عن كتاب (حديث الولاية)، ج7، ص 35 و 36.
[2] نقلا عن كتاب (حديث الولاية) ق: 41.
[3] نقلاً عن كتاب (حديث الولاية) ج3، 266 و 267.
[4] نفس المصدر، ص 286.
[5] البقرة: 116.
[6] النازعات: 24.
[7] غافر: 16.
[8] نقلاً عن كتاب (حديث الولاية)، ج5، ص 34 و 35.
[9] نفس المصدر، ج7، ص 36 و 37.
[10] نفس المصدر، ج6، ص 269 و 270.
[11] هود: 45.
[12] نقلاً عن كتاب (حديث الولاية)، ج7، ص 83.
المصدر: مؤسسة قدر الولاية الثقافية